يثبت لليهود قدم، ووجلت قلوبهم، وارتخت أعضاؤهم، ولم يكن لهم هم سوى البحث عن الوسيلة للفرار.
ووقف بعض الجند من كتيبة الإيمان يقتلون من زينت له نفسه الهرب على باب الخندق، وهم يصيحون من الفرح: أين موسى شرتوك الذي سول له شيطانه أن يفخر برجاله في العالم أجمع
أهؤلاء هم الرجال الذين هددوا باحتلال الأراضي المقدسة حتى الحدود المصرية؟. أهؤلاء هم الذين نشروا الخوف وأشاعوا الرعب في ربوع فلسطين الآمنة؟ هاهي حصونهم لم تحملهم منا؟ وهاهي أشلائهم قد تناثرت حولها؟ وهاهي أسلحتهم واستعداداتهم لم تحل بيننا وبينهم. إنهم باغون وعلى الباغي تدور الدوائر.
واحتلت الكتيبة خنادق اليهود. وتولتهم الدهشة من عجيب ما رأوا فيها، فهي مزودة بكل طريف من الكماليات فضلا عن الضروريات: فهذه وسائل التدفئة الحديثة وتلك، آلات الكهرباء، وهذا رياش فاخر، وذاك معين من المؤونة لا ينضب، إلى غير ذلك مما لا يدع للشك مجالا في إنهم كانوا يعتقدون أنهم في هذه الأماكن مخلدون.
وتراءى لأفراد الكتيبة عظم الفرق بين القوتين وبين الاستعدادين، كعظم الفرق بين السماء والأرض. . . وانخلعت قلوبهم من الحيرة لهزيمة هؤلاء الصهيونيين مع هذا العدد الوفير، وهذه العدة البالغة، وأيقنوا أن النصر للقوة المعنوية دائماً، وللقوة المادية نادراً.
وألقى الجنود نظرات خاطفة على عتاد الأعداء ليحملوا ما هم في حاجة إليه من متاع وسلاح، ثم التفوا حول قائدهم ليصغوا إليه وهو يأمرهم بملاحقة الأعداء ومواصلة الهجوم حتى يجتنوا ثمار النصر ناضجة، فانبسطت الأسارير، وارتسمت على الشفاه بسمات الفرح بذلك النصر المبين. وتزايد سرورهم حين عرفوا أن عددهم لا ينقصه إلا ثلاثة قد لقوا حتفهم برصاصات صهيونية غادرة.
وتعانق الجميع عناقاً سريعاً حاراً، تعبيراً عن ابتهاجهم بهذا الفوز الحاسم، ثم انصاعوا لأمر القائد الذي ناداهم: إلى الأمام أيها الأصدقاء؛ فعلينا أن نحتل جميع المراكز القريبة ليتم تطهير المنطقة كلها.
واستبسل اليهود في الدفاع عن مراكزهم، ونشطت مدافعهم الثقيلة والخفيفة، وأطلت فوهاتها