وإذا كان القضاء لم يشغلك عن الأدب، فإن الأدب ليعتز بأن تكون في ميدانه، تسقى الظامئين من كؤوس خمرتك الفكرية المعتقة في دنان الإلهام!
أجل يا صديقي، إن بإمكانك هنا ولي هناك. . . إنك صاحب القطرات ولست شيئا آخر، وإن فجرك الذي يشع في بأضواء النبوغ ليهدي السالكين إلى فجاج الحق والخير والجمال.
بقى أن أقول لك إن راجي الراعي القاضي لم ينصف راجي الراعي الأديب، وإن ميزان عدلك قد ظلم ميزان فنك: قطراتك أنت تفتش عن كؤوسها؟ كلا يا صديقي، أن كؤوسنا نحن هي التي تفتش عن قطراتك! مواليد خيالك الخلاق تنكر لها الحياة؟ أنك لتظلم الحياة في جوهرها المصفى. . . إن الحياة لا يمكن أن تبخل على الموهوبين من أمثالك بالذكر الجميل! أما الذين يبخلون فهم والبلداء الذين حرمهم الله نعمة الذوق والفكر والشعور، وأظنك توافقني على أن هذا القطيع الآدميين لا يستطيع يغير شيئاً من وجه الحقيقة، ولا أن يقيم الميزان لأقدار الناس، ولا أن يحول بين فيض الإبداع وبين التدفق في أودية الروح ومسارب العاطفة!
عليك إذن أن تكتب لهؤلاء الذين تلذ لهم الموجة الفكرية الوضاءة التي تحمل شيئا جديداً. . وثق أنك إذا سقيت فستظل في الكرمة تسقى ولن تفرغ الدنان: إن كرمتك يا صديقي لنمت جذورها إلى أرض العبقرية بأسباب، أما دنانك فأنا أبشرك منذ اليوم بكثرة الظامئين المتلهفين إلى أن يشربوا نخب أدبك العالي وفنك الرفيع!
أخلص الشكر على هديتك الكريمتين. . . وإلى اللقاء في رسائل خاصة، تنقل إليك والي ومضات من الفكر ودفقات من الوجدان.
توفيق الحكيم والفن الإنساني:
منذ أيام دق جرس التلفزيون في مكتبي بوزارة المعارف، وكان المتحدث هو الأستاذ توفيق الحكيم. . . لقد تفضل الأستاذ الصديق فاتصل بي ليقول إن كلمات كتبتها عن (شهداء المثل العليا) قد تركت أثرها في نفسي وصداها في قلبه، وكم يود أن يستمع لكثير من هذه النبضات الإنسانية فيما أكتب من تعقيبات! وقلت للصديق الكريم رداً على جميل تقديره: يبدو أن بين فكرينا شيئاً من توارد الخواطر، وأن بين قلبينا شيئاً من توارد الخفوق. . . لقد كنت على وشك الاتصال بك لأقول لك أيضاً إنني أود أن تخرج لنا روائع أخرى يبلغ