للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بين النبت والزهر ترفل في ثوبها الحريري الهفهاف تتوثب نشاطاً وحياة وتتألق بهجة ونوراً، وشغف بها حين رآها تستكمل - على الأيام - أنوثتها وجمالها، فهو يتودد إليها في رفق ويسعى إلى رضاها في صمت؛ والحياء يمنعه عن أن يكشف لها عن دخيلة قلبه خشية أن تنفر منه فلا يراها بعدُ وأن تزدري عاطفته فتسخر منه فتتحطم كبرياؤه وتتصدع كرامته.

وحال الخجل بينه وبين أن يحدث أباها بما يكن للفتاة من حب خيفة أن يثور به فيضع بينهما سداً لا يستطيع واحد أن يظهره وإن جهد.

وليست هذه بالسبيل التي يسلكها إلى غايته، فهناك في القرية أبوه وهو رجل ذو عقل وتجربة، يرى الرأي ويوطئ للأمر فينفذ إليه من منافذ يعجز عنها عادل نفسه.

وألقت به هذه الخواطر في تيهاء مقفرة، ثم قنع بأن يستمتع برؤية فتاته بين الحين والحين وأن يسعد بحديثها بين الفينة والفينة يروي ظمأ نفسه وينقع غلة قلبه، والأيام تنطوي.

ورأى الأب بعيني تجاربه أن الفتى يحنو على الفتاة وأن فتاته تعطف على الفتى، وخشي أن تمتد يد إلى يد أو يهفو صدر نحو صدر أو تقترب شفة من شفة، ثم ساورته الريبة واستولى عليه الشك. فماذا يفعل؟ وهولا يريد أن يغلق بابه دون الفتى وهو صديق أبيه، ولا أن يدفعه عن داره وهو يستعينه على بعض شأنه، ولا أن ينشر ظنونه أمام الفتى فيظن هو ويظن أبوه أنه يعرض ابنته كما تعرض السلعة البائرة في السوق الراكدة يبتغي من وراء ذلك أمراً. وتملكته الحيرة.

وجاء عادل - كدأبه - يزور (سعادة البك)، ورأته إلهام وهو يدلف إلى حجرة المكتب فانطلقت إلى هناك كعادتها، ولكن أباها طردها في غلظة، ونهاها عن أن تدخل حجرة فيها (الأستاذ عادل) إلا أن يؤذن لها.

وذهل الفتى حين بدا له أن عين الشيخ يقظة مترقبة، وعجب ألا ينطلي على (البك) ما يتصنعه من رزانة وما يتكلفه من هدوء: الآن وقع ما كان يخشاه وضرب بينه وبينها بحجاب كثيف ما يستطيع واحد أن يظهره وإن جهد. وأطرق الفتى وقد تجهم وجهه وتقبضت أساريره، ثم خرج من لدن الرجل يهيم على وجهه وقلبه يبكي في حرقة وألم ونفسه تتغيظ في أسى ولوعة وثارت كبرياؤه فخاصم الدار وروحه ترف حواليها.

<<  <  ج:
ص:  >  >>