للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يا لقلبي حين تغشاه غاشية من مصائب الحياة ونكباتها فلا يجد عنها مصرفاً! الآن ذاق قلب الفتى مرارة الحسرة والكمد حين تلفّت فإذا هو وحيد على حيد الطريق، أما الفتاة. . .!

ومضت سنة كاملة والفتى يدافع نفسه عن الدار التي يهفو إليها قلبه. وحين خيل إليه أنه ثأر لكبريائه واقتص لكرامته أحس برغبة ملحّة تجذبه إلى دار فكري بك - مرة ثانية - ليرى هناك روح قلبه ونور عينيه وجمال حياته.

وعجب عادل أنْ رأى الخادم يتقدمه ليفسح أمامه الطريق وليقوده إلى حجرة الجلوس دون حجرة المكتب! ماذا كان؟ لا ريب فقد أصبح غريباً عن هذه الدار فهو يرى الأستار تسدل في وجهه، والأبواب تغلق دونه، ولا يجد السبيل إلا إلى حجرة الجلوس، ولا يلقى إلا (سعادة البك) و (البك) يلقاه كما يلقى رجلاً غريباً عنه ويحدثه حديثاً فيه التكلف والتصنع ويجلس إليه في فتور وملل. وأحس بأن في الدار حركة لم يتألّفها وأن شيئاً يتوارى خلف الأستار المنسدلة. ماذا وراء؟ وهو قد كان - منذ شهور - يدخل إلى الدار في غير إذن فتنفتح الأبواب وترتفع الأستار ويهفو نحوه كل من في الدار في غير تحرج ولا حذر. . .

وذهب عادل يتحسس من الأمر وإنه لذو حيلة ورأي فتناهى إليه أن فتاته قد سُميت على جلال بن عزت بك وهو ضابط في الجيش وهو من أسرة ذات جاه وثراء، وإن الدار تموج منذ أيام بمن يهيئون لليوم السعيد يوم أن تزف إلهام إلى جلال.

ورجع الفتى إلى داره يلفه الهم ويطويه الأسى وفي نفسه ثورة بركان هائج لا يهدأ، فهو يذهب ويجيء ويضطرب في الحجرة مثلما اضطرب وحش كاسر في قفص. آه، يا قيود الإنسانية لو قُيِّض للفتى أن يقذف بك عن عاتقه لزأر زئير سبع غاظته الحياة وعضَّته الأيام! ولكنك أرغمته على أن يكتم الحيوانية الصريحة فيه، فهو يضم جوانحه على أتراحه وقلبه يكاد ينشق من فرط الشجن. وحين آده الجهد والإرهاق جلس إلى نفسه يحدثها: (ماذا كان في غيابي؟ لعلها وجدت فقدي زماناً ثم تسلت، ولعل أمها قد طلبتني ساعة ثم نسيت، ولعل (البك) انتظرني حيناً ثم انصرف! يا لطيشي حين خاصمت هذه الدار وفيها روح قلبي، ونور عيني، وجمال حياتي! هذا ذنبي أحمله وأعاني من وخزاته ما ينوء به ذو الجلد والصبر. ولكن هل أستسلم وأخضع؟ كلاّ! غداً أجد السبيل إليها وأحدثها حديث قلبي، ثم أرى ماذا تفعل وماذا تقول. ولكن كيف أفعل وهي قد سميت على رجل غيري وستصبح -

<<  <  ج:
ص:  >  >>