للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بعد أيام - زوجة وربة دار. إن قلبي لا يستطيع الصبر ولا السلوان، فغداً أراها وأتحدث إليها). وانطوى الليل كله فما غمضت عينيه ولا هدأت ثائرته، وفي الصباح انطلق إلى هناك يلقى الفتاة!

وجلس إليها في غير رقبة ولا حذر يحدثها ويعتب عليها وينشر أمامها مكنون قلبه وهي تقول له: (أترى يوم أن تلاقينا في الحديقة منذ سنوات أربع، لقد أحسست بقلبي يندفع نحوك، وشعرت بروحي تصفّق حواليك، ووجدت - منذ تلك الساعة - لذة الحياة وسعادة القلب، وخشيت أن أنفض نفسي أمامك، وأنت في شغل عني، فلا أجد منك إلا الاحتقار والامتهان، وأنا أرسف في أغلال التقاليد وقيود البيت، وما كان لي - وأنا فتاة فيَّ الخفر والحياء - أن أتحدث حديث الحب إلى فتى فيه الشباب، لم يسع هوإِليَّ، ولم يكشف لي عن دوافع قلبه ولا خلجات ضميره)! وأطرق الفتى ساعة ثم قال: (وماذا وراء، وأنا أحبك ملء روحي، وأراك نور الحياة وشباب القلب؟) قالت: (. . . وحين وافقت على رأي أبي كنت قد خشيت أن تكون قد طردتني من نفسك لأنك نأيت عني، وخفت أن أطرد خطيبي فأتخلّف عن الركب، وإن شبح ابنة عمي ليضطرب في ناظري كلما ذكرت الخطبة والزواج، فهي قد تأبت حيناً على الزوج أنفة منها وصلفاً. وهي الآن قد أشرفت على الأربعين ولما تجده، لقد فاتها الركب، وتخلفت عن القافلة). فقال: (فماذا ترين وأنا لا أجد الصبر عنك؟ إن عقلي قد ضل فهولا يهتدي إلى رأي)، قالت: (سنرى، وإن في الوقت فسحة).

وخرج الفتى ليذر فتاته وحدها في مضطرب من الأفكار يلتهمها الهم ويفريها الأسى، وهي جالسة في ظلام الحجرة وظلام الأخيلة، وإن الشيطان ليوسوس لها فلا ترى الحياة إلا عوداً من ثقاب تشعله في ثيابها، وإلا حبلاً تلفه فوق عنقها، وإلا نافذة مفتوحة تقذف بنفسها منها. وأصاب الحزن نفسها، وزعزعتها الحيرة، فبدت في عيني أمها ذاوبة ذابلة، وهي تلقى خطيبها في فتور، وتحدثه في ملل، وهي تغدو وتروح في تراخ، وتقضي حاجاتها في كسل. ونظرت إليها أمها بعيني المرأة والأم معاً، فتبين لها أن قلبها قد تحول ناحية أخرى، فراحت تتسلل إلى قلبها في عطف حيناً، وفي مكر حيناً آخر، فما تلبث الفتاة أن كشفت لها عن خطرات قلبها. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>