عن منشأ الملك بوجه عام: لأن أصحاب هذه النظرية يقولون إن الممالك لم تتكون في بادئ الأمر إلا بفضل المعتقدات الدينية.
إن الأبحاث التي قام بها عدد كبير من العلماء والمفكرين - مستندين إلى المعلومات التي جمعوها عن أحوال الأقوام البدائية من جهة، وعن تواريخ الدول القديمة من جهة أخرى - قد أوصلتهم إلى هذه النظرية. فقالوا: إن تكون الجماعات السياسية الكبيرة والممالك العظيمة، في القرون القديمة، لا يمكن أن يفسر إلا بتأثير الاعتقادات الدينية، على اختلاف أنواعها وأطوارها. فالاعتقاد بقوى خارقة للعادة - من الاعتقاد بالقوى السحرية إلى الإيمان بالقوة الإلهية - هو الذي مهد السبل إلى تكون الجماعات الكبيرة واستقرار الحياة السياسية. . . في أطوار البداوة والهمجية.
وقد كتب الباحث الإنكليزي المشهور (فرايزر) كتاباً ضخماً ضمنه أمثلة وبراهين كثيرة، تدل على أن الملكية نشأت من الاعتقادات السحرية: كان الناس يخضعون للملك، لاعتقادهم بأنه يتمتع بقوة سحرية، وكانوا يرون من الطبيعي أن يخلفه ابنه، لاعتقادهم بأن هذه القوة السحرية تنتقل منه إليه
وقد برهن المؤرخ الفرنسي المشهور (فوستل دو كولانثر) - في كتابه (المدينة القديمة) - أن الحياة السياسية عند اليونان والرومان أيضاً قامت على بعض الاعتقادات والعبادات.
وقد لاحظ جميع المؤرخين أن الاعتقادات الدينية تلعب دوراً هاماً في سياسة دول القرون الأولى. والاعتقادات الدينية السياسية اجتازت مراحل عديدة ومتنوعة: الملك إله. . . الملك ابن الإله. . . الملك من نسل الآلهة. . . الإله يتقمص جسد الملك. . . الإله ينفخ في الملك شيئاً من روحه. . . الإله يمد الملك بالهاماته. . . هذه أشكال مختلفة - وأطوار متتالية - من الاعتقادات التي كانت تربط الملكية بالدين، وتساعد على جمع طوائف كبيرة من الناس تحت إدارة واحدة في تلك القرون القديمة.
أنا لا أرى هنا مجالاً لذكر الأمثلة والبراهين والنصوص التي تؤيد هذه النظرية. ولذلك سأكتفي بالإشارة إلى كتاب (تيارات التاريخ العالمي العظيمة) الذي نشره أخيراً (جاك بترن) أستاذ التاريخ في جامعة بروكسل. تصفحوا المجلد الأول من هذا الكتاب القيم، (وهو المجلد الذي يلخص التطورات التاريخية التي حدثت في العالم منذ القدم حتى ظهور