فنستطيع أن نقول - بكل تأكيد - أن تاريخ العرب لا يشذ عن تواريخ سائر الأمم، من هذه الوجهة أيضاً.
بعد هذه النظرات الانتقادية التي وجهناها إلى المقدمات التاريخية، يجدر بنا أن نرجع إلى السؤال الأصلي، لنرى: هل الشقاق طبع في العرب؟
إن المقارنات التي قمنا بها آنفاً بين تاريخ الأمة العربية وبين تواريخ الأمم الأخرى من وجهة الشقاق، تسهل علينا الإجابة عن هذا السؤال إجابة مبنية على قياس صحيح واستقراء تام.
إن الشقاق وليد الأنانية، والأنانية طبع غريزي في الإنسان، وجماح هذه الأنانية لا يكبحها إلا التربية الاجتماعية المتينة، والتشكيلات الحكومية القوية، والنزعة المثالية الفعالة، والإيمان الديني أو القومي أو الوطني العميق.
ففي كل أمة من أمم الأرض، وفي كل دور من أدوار التاريخ يظهر أناس تتغلب في نفوسهم الأنانية على العوامل التي ذكرناها آنفاً، ولكن الرأي العام من جهة، والقوانين الموضوعة من جهة أخرى، تعاقب هؤلاء وتعزلهم عن المجتمع بصور شتى ووسائط متنوعة، وتجعلهم عبرة للآخرين، فتحول بذلك دون استفحال هذه الأنانية وانتشارها بين الناس.
غير أنه يأتي أحياناً في كل أمة من أمم الأرض بعض الأدوار من التاريخ تضعف فيه هذه القوى الوازعة فتتفلت الأنانيات عقالها، ويتضاءل تأثيرات الرأي العام فيها، فتقل سلطة الحكومات عليها، وكل ذلك يؤدي إلى ازدياد الشقاق وانتشار الخلاف بين الناس.
هذا ما حدث، وما يحدث، وما سيحدث في كل أمة من الأمم، وفي جميع أدوار التاريخ.
وليس في طباع العرب ما يجعلها شاذة عن سائر الأمم في هذا المضمار.
هذا هو جوابي، يا صديقي الأستاذ، عن السؤال الذي وجهتموه إلي.
لا يوجد في طباع الأمة العربية ما يجعلها شاذة عن سائر الأمم في أمر الاتفاق والانشقاق.
يجب علينا أن نعرف ذلك حق المعرفة، كما يجب علينا أن نعتقد اعتقاداً جازماً بأن طبائع الأمم لا تبقى على وتيرة واحدة على مر العصور. وقد صدق من قال: (إن من يتوهم الاستقرار في طبائع الأمم كمن ينشد البقاء في الموجات التي تحدث على سطح الماء عندما