نظريات في الاقتصاد وعلم الاجتماع تحللها العقيدة الماركسية على طريقتها الدياليكتكية الجدلية، وليس المجال هنا لبحثها.
إذن فإن دعوة للسلم تأتي من جانب السوفيات هي في الواقع اكتساب للوقت، وعرقلة برامج التسلح، وإثارة الوقيعة بين خصوم حلفاء الغرب وهذه جميعها - ككل خطوة من خطوات السوفيات - تستند إلى تحليلات علمية - علمية لأنها مستمدة من السياسة الروسية المنظمة - وهي كالاقتصاد الموجه ومشاريع الخمس سنوات الاقتصادية تلتزم الدقة وتؤمن بالنتائج على أساس هذه الدقة.
وعلى أسس هذه السياسة الموجهة فإن السوفيات يعتقدون بأن، كل مجتمع لا يدين بالشيوعية ولا يسير بموجب الاقتصاد الماركسي الموجه مآله إلى التفكك، فهناك مشاكل التضخم المالي وبلبة التوزان التجاري وصراع العمال وأصحاب العمل مما يخلق مشاكل اقتصادية واجتماعية تؤدي إلى الثورة العمالية وتطرح بالنظم الرأسمالية في المراحل النهائية.
ولما كانت روسيا غير مستعدة الآن للحرب استعداد خصومها فمن الخير إطالة مدة الاستعداد وإيهام الدول الرأسمالية والرأي العام الدولي بالرغبة الصادقة في السلم، وفي ذلك مكسب مزدوج؛ فهو يحقق النبوءة الماركسية في تفكك المجتمع الرأسمالي - كما تشير علانية إلى ذلك الدراسات السوفيتية للاقتصاد الأمريكي المعاصر - وهو يعطي روسيا متسعاً من الوقت للاستعداد.
والماركسية فوق ذلك تعتقد بأن، طبيعة التجمعات الرأسمالية متنافسة تسعى لالتهام بعضها البعض - وهذا التنافس أصيل مبعثه طبيعة النظم الاقتصادية على ظل الرأسمالية (والاشتراكية الغربية كبريطانيا ليست ماركسية حقة عند السوفيات) ولذلك فإذا نجحت روسيا في تخفيف حدة الموقف الدولي استطاعت أن تسبب فتوراً في شدة التحالف الأمريكي البريطاني وتترك النظم الرأسمالية تكتسب طبيعتها المتنافسية فيقوض بعضها البعض بدل الاتحاد. على تفويض الروس بأي ثمن.
ويستنتج من هذا كله - والاستنتاج نظري في أكثره - أن روسيا تعلم بأنها عاجزة الآن عن الكفاح المسلح لتعميم المذهب الشيوعي في كل مكان على أنقاض النظم والمجتمعات