العميقة، وهمومه الشديدة، ومطاردته لأهوائه العنيفة وشهواته الغلابة. وربما كانت قوة شعوره أعظم من قوة فنه) وقال: في التمهيد لفلسفة قصة (اضطهاد) للكاتب الفرنسي بوتيه: (الحياء علة من علل الإرادة، وآفة من آفاتها الشخصية. وقد عرفه أحد من توفروا على بحث طبيعته، بأنه حاجة ماسة إلى العطف وجدت ما يصدها ويدفعها، أو يغرر بها ويحدها، والحيي إنسان عاطفي يود أن يفتح قلبه وينفض ما في نفسه ولكنه يحجم عن ذلك. . .).
ما كل قصة جديرة بالترجمة حتى وإن كان مؤلفها من كبار القصصيين، وما كبار القصصيين أصحاب الشهرة العالية سوى أناس مثلنا يصيبون ويخطئون، يجيدون ويقصرون في الإجادة. ويكفي للدلالة على ذلك أنه ما من كاتب من الخالدين سلمت تواليفه كلها من النقد خصوصاً بواكيرها أو خواتيمها، وأن شهرتهم ما قامت إلا على القصة التي تحمل من عناصر الحياة الإنسانية ومن خصائص الابتكار والإبداع القني أوقرها، ومن إكسير الخلود ما يجعلها موفورة النضارة والجمال والحيوية لكل جيل وزمان وأمة.
ولا عبرة بما ينشره الناشرون التجار من قصص كتبها العظماء قبل تمام نضوجهم، بل العبرة في الاختيار: لأنه عنصر فني أساسي. وقد أحسن الأستاذان: البهنساوي وأدهم اختيار القصص كلها لأنها تمثل ألواناً من أدب وقسمات من حيوات نحن في أشد الحاجة إليها؛ ولأنها تعين كتاب القصة منا وتسد حاجة الذين لم ييسر لهم أن يعرفوا لغة أجنبية؛ ولأنها ركن من أقوى أركان الثقافة التي تربع مستوى المنتجات الفكرية وخصوصاً في نواحي السياق والاستنباط والتصرف في الفن القصصي.
إني وإن كنت استحسنت ما اختار الأستاذ أدهم من القصص التي ستكون نماذج للذين لم يخرجوا بعد في قصصهم عن نطاق الغرائز ودائرة الشهوات الجنسية. لا أميل إلى الأسطورة، ولا أستسيغها سواء أكان ملفقها تولستوي أو زفائج - وهذا لا يعني أني لا أقدرها قدرها ولا أقيم وزناً لمراميها الإنسانية التي هي فوق مستوى البشر كما في قصة (فيراتا) وإن كانت تدفع بالفكر إلى ما وراء المعقول وبالذهن في أجواء واسعة للتصور والتخيل، بل لأن إدراكنا ما برح يقف عند بدائه الأشياء وأوائل الأمور، ولأنه ما برح يزحف في نطاق ضيق من المادية الملموسة المنظورة، ولمَّا نففه بعد نطاقنا الضيق وحدوده