لا يحتاج إلى تعريف في وقعة صفين وقد أشار إليه والى أبي مخنف الأستاذ عبد السلام محمد هارون في مقدمته لكتاب صفين. وألف غيرهما ممن لم يشر إليهم الأستاذ مثل إسحاق بن محمد بن عبد الله بن سالم أبو حذيفة البخاري المتوفي سنة ٢٠٦ للهجرة فهو من معاصري نصر بن مزاحم، وكان مثله صاحب مؤلفات في الأحداث الإسلامية. فله كتاب الفتوح وكتاب الردة وكتاب الجمل وكتاب الألوية وكتاب صفين وكتاب حفر زمزم وكتاب المبتدأ وهو في مبدأ الخلق، ومثل إبراهيم بن محمد بن سعيد الثقفي الكوفي المتوفي سنة ٢٨٣ للهجرة وهو مؤلف صنف في هذه المواضيع كتباً مثل كتاب الجمل وكتاب صفين وكتاب الحكمين وكتاب أخبار عمر إلى غير ذلك من الكتب التي ذكرها أصحاب التراجم. ومثل الغلابي أبو عبد الله محمد بن زكريا بن دينار أحد الرواة للسير والأحداث والمغازي وله من الكتب كتاب مقتل الحسين بن علي وكتاب وقعة صفين وكتاب الجمل وكتاب الحرة وكتاب مقتل أمير المؤمنين فهو من المؤلفين في تواريخ أحداث العراق.
ولقد عنى الكوفيون عناية خاصة بتدوين الأحداث الإسلامية التي وقعت في العراق وبأمر الفتوحات، وهم يتفوقون في ذلك على أهل الشام وعلى أهل المدينة الذين عنوا بالسيرة والمغازي وأحداث الحجاز وبالدولة بقدر ما للدولة من علاقة بالمدينة. فلم يهتم رواتهم بما كان يقع في العراق أو الشام أو ما إلى ذلك. ويشبه أهل الكوفة في ذلك رواة أهل اليمن الذين حافظوا على الرواية التاريخية وأحيوا القصص الشعبي وخلقوا لليمن قصصاً اصطبغ الصبغة المحلية وبالعصبية القبلية. ولوجود عدد كبير من الرواة الذين يرجعون أنسابهم إلى اليمن في مدينة الكوفة دخل ولا شك في تقدم فن التاريخ في هذا المكان.
ونصر بن مزاحم راوية من رواة أهل الكوفة من الطبقة الممتازة وقد فقدت اكثر مؤلفاته مع الأسف، وإن كانت لا تزال بعض قطع منها محفوظة في بطون الكتب التي اقتبست منها. وقد كان ولده (الحسين) من الرواة وقد سجل له أبو الفرج الأصبهاني شيئاً من الأقوال في كتابه (الأغاني). وفي كتاب صفين قطع أخذت من كتب الفت في أيامه أو في أيام مضت قبله. فحفظ نصر لنا بذلك نماذج من النثر ترينا كيف كان المؤرخون يكتبون.
وقد عرف كتاب صفين بين الناس واقتبس منه، قديماً وحديثاً. وممن نقل منه عز الدين أبو حامد عبد الله المدائني الشهير بابن أبي الحديد شارح كتاب (نهج البلاغة) وقد أدخل في