وطبيعي أن للشرف العربي حاجة ماسة لتحسين المواصلات؛ ولكن هذا التحسين إذا توخى ما ينتظر منه من فوائد وجب أن لا يتقيد بمصلحة الإنتاج البترولي على حساب النواحي الأكثر أهمية والأشد ضرورة؛ فالناحية الحيوية في مشكلة المواصلات في الشرق العربي أعقد من أن تقتصر على الإنتاج البترولي والمطارات السعودية والليبية القريبة من آبار الزيت الروسية في (باكو) وفي حوض قزوين ومصانع الإنتاج الحربي الروسي فما وراء جبال الأورال.
وللناحية الثانية وهي تحسين الإنتاج الزراعي كوسيلة لرفع مستوى المعيشة أوجه غير هذا الوجه الخلاب الذي قد يغري من لم يدرك حقيقة العلاج للعلل الاقتصادية في الشرق.
فان الإنتاج الزراعي إذا لم يلازمه التصنيع الواسع النطاق الثابت الأركان فأنه لن يستطيع رفع مستوى المعيشة لملايين المصريين مثلاً ولا حل أزمة السكان وضآلة الدخل القومي؛ وهذه الحقيقة تنطبق على العراق وسائر أنحاء المشرق. وأن طبيعة العوامل الاقتصادية التي تدفع أمريكا وبريطانيا لمساعدة الشرق العربي تتطلب أن يظل هذا الشرق مستهلكها لا منتجاً للسلع التي يعيش عليها الكيان الاقتصادي في أمريكا وبريطانيا. ولعل المصلحة البريطانية في هذه الناحية أشد انتفاعاً وأبعد في النتائج العملية. فإذا أشرك الأمريكان البريطانيين في مشاريعهم للشرق الأوسط فإن البريطانيين قد أشركوا من قبل (ركفللر) وأمثاله من أقطاب المال الأمريكان في هذه الإمبراطورية الاقتصادية التي تعمل الآن في صمت في أواسط القارة الأفريقية.
هذه ألوان من الحديث قد تساعد على معرفة بعض مواطن الضعف والقوة فيما يقترحه المعسكر الغربي. ويضاف إلى هذه التلميحات الاقتصادية ذيول والتزامات سياسية خطيرة العواقب. فإن أي مساعدة أو منحة أو قرض يستلزم التعاون مع الكيان اليهودي في فلسطين سيحقق له في الحاضر والمستقبل ما حققته الناحية الخفية من أعمال (مركز تموين الشرق الأوسط) الذي أقامه الحلفاء أبان الحرب العالمية الماضية؛ إذ استطاع الاقتصاد اليهودي بواسطته أن يتركز بعد أن كان مضعضع الكيان مشرفاً على الإفلاس، واستطاع أن يحظى بأنواع من المواد الخام والتصنيع الحربي عن يد مركز تموين الشرق الأوسط، وهذا ما