ثم عاد فقرر (أنه لا يصح احتقار شأن الثوار، بل يحسن إعطاؤهم ما يستحقونه وليذكر الطليان أن عزيمة العرب وإن بدا مظهرها قوياً في المبدأ إلا أنها لا تستند على قوة دافعة مستديمة، ولذلك تضعف وتهبط في النهاية فالمقاتلة من الثوار لا يسعهم أن يصمدوا في المعركة طويلاً أمام قوات نظامية مدربة تدريباً أوربياً)
ويهمنا أن نتعرف إلى جميع آرائه فينا فهو يتكلم بصراحة وبوسعنا أن نصلح أخطاءنا دائماً إذا اطلعنا على ما يكتبه عنا أمثال هؤلاء ويقرر (أن حاجات العرب في الميدان محدودة. ولذلك لديهم مقدرة فائقة على جمع وسوق قوات كبيرة واستعمالها في ميادين مختلفة والعربي مقاتل بغريزته وطبعه فهو لا يهاب المواجهة ولا يخشى التصادم، ويعتمد على عاملين: مقدرته على التضليل ليصل إلى توزيع القوة التي أمامه وتفرقها حتى لا تعمل كموحدة متكاتفة وقوية ثم يعتمد على المؤثرات الأفريقية التي تصيب الجيوش الأوربية وتسبب لجنودها التعب والإعياء حينئذ يضرب ضربته).
ثم يعقب هذا بقوله:(إنه في كل مرة من تلجئهم الظروف إلى مواجهة حالة قتال تقرب من أساليبنا الأوربية، ويتحتم عليهم قبول المعركة يدب الخلل في صفوفهم ثم يسهل لنا التفوق عليهم لعدم تمكنهم من الوسائل الفنية العديدة التي بين أيدينا (على ضوء هذه التعليمات الصريحة قاد جراتزياني جنوده في العمليات التي سبقت فتح فزان وهي عمليات بوليسية على حد تعبير إخواننا الهولنديين حينما يتحدثون عن جهاد الشعوب
وفي هذه الأثناء جاء بادوليو إلى ليبيا وتولى سلطتي الحاكم العام والقائد الأعلى (وكان هذا في نظر جراتزياني فتحاً جديداً عبر قوله (بعد عشرين عاماً من التلكؤ والتردد والهزائم تسلم الأمور ليد عسكرية ونضع لأول مرة برنامج منسجم جامع روعي تطبيقه بإرادة قوية).
وبهذا انتقلت السلطات العليا ليد العسكريين، فأمر بأن تكتب هذه العبارة وتعلق على بابه (ليس لدى هذه القيادة خزينة لدفع مرتبات). وذلك لاعتياد الحكومة الإيطالية على توزيع مرتبات نقدية وهدايا وأسلحة وذخيرة وقال إنه رفض من المبدأ الدخول في مفاوضات أو إعطاء مواثيق أو وعود، وصرح في كل مناسبة أن الحكومة تريد أن تعرف من هم أصدقاؤها ومن هم أعداؤها وأخذ يترنم بمقطوعة من شعر فرجيل الشاعر الروماني.