وأنا مازلت أتحدث على طريقة المدرسة التجريدية، ولكني وصلت إلى نقطة أراني فيها مضطراً إلى الخروج مع المدرسة نفسها عن طريقتها.
شيوخ الأدب جامدون لا يقدرون الاتجاه النفسي الجديد لأنه يخالف اتجاههم، فالشيوخ يتحدثون عن جمال الربيع ولا يهتمون بالإنسان، فإذا عرجوا عليه لزموا السطوح ولم ينزلوا إلى الأعماق، كما يقضي بذلك علم النفس، وكما تفعل ذلك المدرسة الحديثة. وقرأ المحاضر في هذا المعنى رسالة كتبها يسري إلى الأستاذ فريد أبو حديد بك، ومن فقراتها (لا يا سيدي نحن جيل وأنتم جيل).
ثم أرجع إلى الطريقة التجريدية فأقول: هكذا يقضي الشيوخ بفوز قصص المدرسة الحديثة في المباريات، وتعتز المدرسة بذلك، ثم تهاجم الشيوخ الذين حكموا بفوز قصصها. أقول هكذا فقط ولا أذكر الوفاء ولا الاعتراف بالجميل فليس شيء من هذا في معجم المدرسة الحديثة في فن القصة. أما لماذا قضت لجان التحكيم في المباريات بفوز تلك القصص، فقد قال أحد أعضائها وهو الدكتور إبراهيم ناجي، في تعقيبه على المحاضرة: إن القصص التي فازت، إنما فازت لأن بقية القصص المقدمة تافهة ليس فيها شيء من فن القصة بل هي حكايات و (حواديت).
وجرياً على مذهب تلك المدرسة في العطف على الضعف الإنساني وإن جانب الذوق السليم واندفع مع الحيوانية السائمة - لا أريد أن يتجه القلم إلى القسوة على بطليها، غير أننا نختلف في أن لرفقي بهما غاية.
إنكما يا ابنيَّ تتعجلان. وإني وإن كنت لم أقرأ لكما يبدو لي من الملابسات والقرائن أنكما من ذوي الاستعداد ويمكن أن يجيء منكما، ويدل ما يقول الأستاذ عبد الله حبيب عن قصة عاشق أخته على براعة يسري في السياق والحبكة، ولكن ما أشبه حال الأستاذ وهو يقرأ القصة غير شاعر بأن فيها جريمة ترتكب، بمن (نشلت) حافظة نقوده وهو لا يدري.
إن مناقضتكما للأخلاق الكريمة بهذه الدعوة مناقضة ظاهرة، وأنتما لا تنكران ذلك، وإنما تتمسكان بأهداب الفن وأنا لا أدري كيف يتسق الفن مع مخالفة الذوق السليم وإغفال المثل الإنسانية والانسياق مع الحيوانية البحتة. وما هو الفن الذي يتجرد من العاطفة؟ إن تحليل