هناك اختلاف فهو اختلاف في الكم (والرتوش). وقد يعمد الكاتب إلى الحادث التاريخي أو الاسطورة، فيفسرهما تفسيراً جديداً يختلف عما هو شائع من تفسيرهما، بل وعما يعطيه نصهما، كما فعل شوقي في مصرع كليوباترة أو كما أراد أن يفعل. وقد يناقض هذا التفسير الجديد مرمى النص القديم على خط مستقيم، كما فعل جان بول سارتر في أسطورة أورست لما أتخذ منها مادة لمسرحيته الخالدة (الذباب).
ومسلك ثالث، هو أن يتخذ الفنان من الحادث التاريخي أو من الأسطورة إطاراً يحيط به أفكاره الخاصة، إناء فارغاً يصب فيه مذهبه في الميتافيزيقا أو الأخلاق أو المجتمع أو غيرها، وقد تكون فكرة المؤلف لا تمت بسبب إلى ما في الأسطورة. ولكنه يتخذ من حوادثها المادية آلة ينشر عليها خيوطه وخاماته لينسج منها الثوب الذي يريد، ومن أشخاصها أبطالاً يتقمصون أفكاره لتحيى في نفوسهم، وتتجلى في أفعالهم وأقوالهم. وهذا هو المسلك الذي سلكه توفيق الحكيم لما خلق بفكره وفنه رواية (سليمان الحكيم) من النصوص التي تكلمنا عنها.
فما هو فن الأستاذ توفيق الحكيم في هذه المسرحية؟ وما هي الفكرة التي أراد هذا الفن على أن يحملها عنه إلى جمهوره، قراء كانوا أم متفرجين؟ الفكرة، بل الدعوى التي يجعل الأستاذ توفيق الحكيم من قطعته عرضاً لها ودفاعاً عنها، هي وجود قوة خفية، قوة عليا تسيطر على أعمال الإنسان وتختار له كما تشاء هي لا كما يشاء هو، حتى إذا ما سار في الطريق الذي اختطت له أو التي حملته على السير فيه دون إرادة منه، وضعت أمامه من العراقيل ما لا يستطيع التغلب عليه، أو ما لا ينبغي له أن يتغلب عليه، ما دامت تلك مشيئة الأقدار. وكأن هذه الأقدار أو القوة الخفية - إذا سلمنا بمنطق الأستاذ الحكيم - لا تبغي من وراء ذلك إلا العبث والسخرية من بني الإنسان. ولا أظن كاتباً يطمع في تصوير الإنسان في صورة من التفاهة والاحتقار أكثر مما عمل أو مما أراد أن يعمل مؤلف سليمان الحكيم. والميدان الذي أختاره الأستاذ المؤلف لإبراز فكرته وتحقيق صدقها هو ميدان الحب، ميدان القلب والعاطفة لا ميدان العقل والفكر؛ لأن شخصية الفرد - على ما تريد المسرحية أن تظهره - تتكون من واديين منعزلين: وادي العقل والذكاء وفيه الإنسان سيد نفسه ولكنه قليل الخطر في حياته وحياة العالم. ووادي القلب، وادي الحب والبغض، موطن السعادة