الإنسان الواعي - وتدعوه أن يقدم عليها ويواجهها وينازلها ليكتشف ما تخفيه في أنحائها.
ولذلك كثر عدد الرواد وانتهى الأمر إلى أن أصبح للصحراء حروب ومعارك وأنظمة علق عليها المستعمرون أهمية خاصة. وكان من أهم مظاهرها وفوائدها أنها تخلق تلك الفئة الممتازة من الرجال الذين تخرجهم مدارس الحروب الأفريقية والأسيوية بتجاربها القاسية. ويعد أفراد هذه الفئة ذخراً لا يقدر بثمن للبلاد التي تملك المستعمرات الشاسعة البعيدة عن العمران والتي يحتاج استتباب الأمن فيها إلى القيام بحملات دائمة ومستمرة ضد أهالي وسكان البلاد الوطنين الذين يحدثون أنفسهم بالدفاع عن أوطانهم.
فلكي يكون لدينا مثل هذه الفئة الممتازة لنرد العدوان وشره، يجب أن ندفع بعدد من رجالنا دائماً إلى الأخطار فإن لم تكن لدينا حروب وجب أن نشجع هذا الفريق أن يتطوع خارج البلاد وأن يشترك في أية حروب قائمة بصرف النظر عن ميلنا لهذا الفريق أو ذاك من المتحاربين. إنما يكون غرضنا الأساسي الحصول على تجارب كل فريق وأساليبه في القتال متجهين إلى تربية روح المغامرة في النفوس.
من هذه المدرسة تخرج قواد المستعمرين الذين قادوا الحروب في أوربا وكانوا قوة للبلاد التي ينتمون إليها ذلك لأن وجودهم في جو يدعو إلى تحمل المتاعب ومواجهة الأخطار وأخذ المسئوليات بثقة في النفس يخلق فيهم صفات ممتازة أهمها الجرأة على الوقوف أمام عقبات تبدو مستعصية ووسط ظروف تعد خطيرة ثم تعويد النفس على أحد القرارات السريعة الحاسمة وتنفيذها وهي صفات تبدو في كثير من الأمم وكأنها قد فقدتها مع اليوم الذي فقدت استقلالها فيه.
وليس معنا هذا أننا معاشر الشعوب الإسلامية في تاريخنا الطويل المملوء بالحروب المتتالية سواء في آسيا أو أفريقيا لم تذق طعم الانتصار وحلاوته، بال كان لدينا من هذه الفئة الممتازة كثيرون، ومنهم من لا يمكن مقارنته بغيرهم من الرجال الأوربيين نظراً لتفوقه ومنهم لا يقل في صفاته عنهم.
ولقد كان من أسلافنا من قادوا الحملات عبر الصحراء عدة مرات ودانت لهم القارة الأفريقية بحسب الأساليب التي كانت متبعة في عصرهم فهناك حملات من الشمال إلى الجنوب عبر الصحراء الكبرى وحملات من الغرب إلى الشرق ومن الشرق إلى الغرب قام