وجه وبأسلوب جميل، والصورة أعم من أن تكون في الخارج كصورة الأحدب التي مرت بكأو في النفس كما في قوله:
أعانقه والنفس بعد مشوقة ... أليه وهل بعد العناق تدان؟
وألثم فاه كي تزول حرارتي ... فيشتد ما ألقي من الهيمان
وما كان مقدار الذي بي من الجوى ... ليطفيه ما ترشف الشفتان
كأن فؤادي ليس يطفي غليله ... سوى أن ترى الروحان تمتزجان
فلم يكن الشاعر ليصف لك في هذا المشهد صورة العناق في الخارج، وإنما يريد أن يصور لك حالة نفسية تعتريه كما تعتري كل عاشق، وهي انفعال النفس بما تجده في قرب من تحب. وبلوغها حدا لا تشعر معه حتى تبلغ النهاية في ثورتها وهي امتزاج الروحين، ولم يكن ليطفئ ثورتها تلاصق الجسدين، ووضع الشفاه على الشفاه وهما طريقها إلى الغاية التي تصبو إليها. على أني لا أرضى عن الشاعر في إنكاره أن وراء العناق تدانيا، فالحب أسمى من أن تناله المادة وهو وليد الروح، ولعل دموع الحب عصارة هذه النفس المتألمة من وراء انفعالها به، فإذا كانت الروح مناط هذا الحب فأنى للجسم أن يطفأ ثورته بالتقبيل أو العناق، والصلة بين المتحابين إنما تتحقق في امتزاج روحيهما، فقد يتلاصقان ولما يزول هنالك بعد بين الروحين، وحجاب كثيف يحول دون امتزاجهما. أفلا يكون إذ ذاك تدان وراء العناق؟ على أن في البيت الأخير وجعله امتزاج الروحين مناط شفاء النفس دليلا على أنهإنما يقصد بقوله (وهل بعد العناق تدان) أن العناق أقصى ما يبلغه الحب في الصلة بين شخصي المتحابين لا أن مطلق التداني مرة وراء الحب قاصر على العناق إذ صرح فيما بعد أن هنالك امتزاجا في الأرواح، وهو أشد ارتباطا في الحب من العناق، وأبلغ تدانيا منه. إذا وصف الشاعر قبيحا فأبدع في تصويره، فقد صور لك جمال الفن فكان صادقا عليه إذ ذاك أنه مصور لجمال الحياة إذ الفن من الحياة، فتصويره تصوير لجمالها أو لناحية من نواحي الجمال فيها. فقد لا تجد أثرا للجمال في كوخ بال قذر يمرح فيه الفأر وتعلو جدره العناكب ويسود أفقه البق، وقد جلس في إحدى زواياه شيخ بالي الطمر وبين يديه سراج ضئيل يقاسي إلى جانبه آلام البؤس. وقد يبدو لك ذلك قبيحا وأنت تشرف عليه أو تلج إليه فتصفر الحياة في عينك ماثله بين جدره. ثم إذا صور لك رسام