للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

محدودة بحد الإنسان، حرية غير تجريدية، بل متصلة بتفكيره وعواطفه وشهواته وكل ما هو من شخصه، ولكنها الحرية على كل حال. ولا يجوز في حكم العقل أن يدفعنا ما لها من صفة نسبية، من صفة الإنسانية إلى إنكار وجودها كما فعل مؤلفنا الكريم.

ربما رأى القارئ أننا أسرفنا بعض الشيء في عرض فكرة الأستاذ الحكيم وشرحها ونقدها. ولكننا إن فعلنا ذلك فلأننا نعتقد أن الفكرة في العمل الأدبي يجب أن تحتل المكان الأول لأن الكاتب إذ يكتب، لأن الكاتب إذا راح يجمع الكلمات في جمل يتوخى أن تكون واضحة مفهومة فلا بد أن أمرا غريبا عن مجرد الكتابة لذات الكتابة قد ساقه إليها، ذلك هو عزمه على أن يبلغ النتائج التي وصل إليها بذهنه إلى الآخرين. فإذا فعل ذلك دون أن يكون لديه شيء يقوله فقد فعل ما فعل في الفراغ. وأظن ذلك مما يجب أن تتنزه عنه أعمال العقلاء. وقد قلنا في مقال سابق إن إقصاء التفكير عن المسرح إفراغ له من مادته الأساسية وإنزال لقدره وحط لكرامته. كما نرى أنه من أجل أعمال الناقد أن يتتبع في العمل الأدبي نظرة الكاتب إلى العالم والحياة والناس، سواء أكانت هذه النظرة شعورية أو غير شعورية، ويحررها وينقدها ويقومها. لأنه إذا كان من أهم وظائف الأدب، كما يقول أندريه جيد. أن يضيف إلى المعرفة الإنسانية أرضين جديدة (في الميادين النفسية مثلا)، أرضين يتعسر الوصول إليها بطرائق أخرى غير طرائق الأدب فإن من وظيفة النقد أن يقوم هذه الأرضين ليجعلها صالحة للاستغلال، ويسهل للإنسان السيادة عليها. وفي اعتبارنا أن الأستاذ توفيق الحكيم جدير بهذا النقد الجدي، جدير به وأن لم نرضى عن أفكاره في رواية سليمان الحكيم التي ندرسها هذا العام مع طلبة الفلسفة بكلية الآداب. هذا إلى أن هذه الفكرة كان لها أثرها الفعال على فن الرواية نفسه كما سنبين فيما بعد. أما الآن فنود أن نشير إشارة عاجلة إلى الباعث الذي يجنح بالمؤلف إلى اختيار مثل هذه المواضيع مادة لمسرحه، وأن ندلي بوجهة نظرنا فيه.

يرى الأستاذ ويصرح بهذا الرأي في مقدمة مسرحيته: (أوديب الملك) بأن الدين كان أساس التراجيديا عند الإغريق القدماء فيقول: (أساس التراجيديا الحقيقية في نظري هو إحساس الإنسان أنه ليس وحده في الكون، وهذا ما أعبر عنه بعبارة الشعور الديني. . . مهما كان شكل التمثيلية وإطارها وأسلوبها والأثر الذي تحدثه في النفس فإن هذا كله لا يسوغ في

<<  <  ج:
ص:  >  >>