للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

٣ - اتخاذ المادة معيارا للقيم. ومتى اتخذ المادة معيارا للقيم انجذبت إليها النفوس فتتأثر بخصائصها المميزة لها، وأهمها الجبرية فيعتقد الإنسان بأن مساق جبر حسب النواميس التي تساق بها المادة نفسها. وهنا يمكن الخطر.

وأما العلم فإنه يظهر لأول بادرة أنه يتعلق بالنفس لتعلقه بالمعرفة. وهو من حيث الغرض متعلق بالمادة نفسه، لأنه وسيلة التحكم بها مبدئيا. ويخشى عندما يتعلق العلم بالمادة تعلقا شديدا أن يكتسب منها صفة الجبرية، فيقول بها، كما ظهر لنا من أقوال كثير من العلماء، ولا سيما في عصور الانحطاط. وقد ظهرت بوادر هذه العقيدة عند الكثيرين من علماء عصرنا هذا، فكانت دليلا على ظهور إمارات الانحطاط في مؤسساته العلمية والاجتماعية، وأخذت الحضارة تنذر بالانهيار.

قال مونتاني: (من الجرأة الغريبة أن يرفع إنسان نظره أمام العلم) فأجابه هنري ماريون مؤخرا قائلا: إننا نحترم العلم ونخضع له، ولكن هل يقضي علينا ذلك باحترام العلماء أصحاب النظرات التصاعدية التي تتصل بالأوهام والسخف، وبالخضوع للعالم الذي يتخذ علمه وسيلة لاقتناص المادة والمناصب، ولخداع الناس؟. .

أننا نعرف كثيرا من الحوادث التي اتخذ بها العلم وسيلة لتحقيق مآرب خاصة، واقتناص فوائد مادية، دجلا وتزييفا، ومن قبل أناس مشهود لهم بالعلم والثقافة، وكانوا، في الحقيقة، على شيء من العلم والمعرفة. ولا يندر أن نجد مثقفين يقولون ما لا يفعلون، نفاقا ورياء؛ فهم يتخذون المعرفة والمبادئ وسائل رخيصة في سبيل تحقيق ما تميل إليه أهواؤهم، وإشباع جشعهم وأطماعهم.

القيم:

العلم، بذاته، لا يعرف الخير والشر. والمادة بذاتها، لا تعرف الخير والشر. وكل شر أو خير يتأتى عن العلم أو المادة، إنما يكون منشأه الإنسان. فالخير والشر كامنان في نفس الإنسان وحده، وفي روحه. . . ومن هنا نستطيع أن ندرك أهمية القيم.

يقول الشاعر:

قيمة الإنسان ما يحسنه ... أكثر الإنسان منه، أو أقل

وأسمح لنفسي أن أقول: قيمة الأعمال تقدر بنسبة صلتها بروح الإنسان. فالإنسان هو معيار

<<  <  ج:
ص:  >  >>