للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

كل شيء، حسب تعبير بروتا غوروس لا العلم ولا المادة، ولا العمل نفسه.

القيم الروحية:

القيم تتصل بالأعمال التي يقوم بها الإنسان. فكل عمل نقوم به، إنما يقدر ببواعثه. فإذا كان منشأه الهوى، أي الفؤاد الهدام المظلم، أو بتعبير آخر: النفس الأمارة بالسوء، فلا تكون له أية قيمة إنسانية، لأنه في هذه الحالة يكون فعلا مجبرا. وليس للأعمال الإنسانية قيمة صحيحة إلا إذا صدرت عن الإرادة المتحققة في الحرية. فصلة الأعمال والسلوك بروح الإنسان أي بإنسانيته، هي التي تهبها قيمة ما. والروح لا تكون روحا إلا بالإرادة والحرية، لأن الروح، في حقيقتها، حياة وحركة وتقدم وثورة.

وتقدر قيمة الأعمال بالبواعث. فإذا كانت البواعث أمورا خارجة عن الروح، أو بتعبير آخر: إذا لم تكن منبثقة عن الفعالية الروحية، فلا يكون للعمل قيمة روحية، وإنما تنسب قيمته إلى الباعث الذي أدى لوجوده. فإن كان كسب المال، مثلا، فتكون قيمته مادية، وإن كانت الشهرة، فهي الزهو والغرور. فما رأيك فيمن يولم وليمة وينفق عليها بسخاء، ويكون له من ورائها مأرب تجاري؟ أيصح أن يدعي كريما؟ أعتقد أن من ينفق قرشا على فقير بباعث الشفقة والرحمة، هو أجدر بالاتصاف بالكرم من ذلك المستثمر. إن صفة الكرم وأمثالها لا تمنح إلا لمن يقوم بهذا العمل بباعث روحي داخلي، لا لمآرب خارجية.

فالقيم الروحية إنما تقوم بالروح، بصفة أنها عمل بذاتها، وبسبب البواعث على العمل. وهذه القيم يسبقها نزوع له مبدأ، وله غاية، وبينهما قوة حركية يبعثهما الحدس والعاطفة. فإما أن تذهب إلى النفس المظلمة فتنقاد للهوى، وإما أن تتصل بالفؤاد البناء فتتصل بالإرادة، فيكون العمل إراديا حرا، أي إنسانيا. صور أحدهم من يبذل من ماله دون أن يكون لبذله أية قيمة روحية فقال:

يعطى ويمنع، لا بخلا ولا كرماً ... وإنما نزعات من وساويس

أثر الانفعال والتفكير في القيم:

ومما يقوي هذه النزعات، ويبعدها عن نظام القيم الروحية، الانفعال. والانفعال نسيب الهوى. ولذا يقول علماء النفس: إن الأمم الكثيرة الانفعال قليلة الإنتاج. ألا ترانا نحن في

<<  <  ج:
ص:  >  >>