للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

مؤسساتنا وفي منظماتنا، كثيرا ما نبدأ بحماس شديد، وننتهي إلى لا شيء؟ ونعبر عن ذلك بقولنا: (إننا نفور فورة الحليب). وهذا ما يتهمنا به الغربيون فيقولون عنا: إنهم يسيطر عليهم الانفعال فلا تخشوهم؛ ولكن اصبروا عليهم بادئ الأمر، وسرعان ما يهدأ انفعالهم، ويسكن في نفوسهم الحماس.

إننا نحترم الأمم التي تعتمد على التفكير في سلوكها، فلم لا نجعل التفكير والتؤدة من مبادئ سلوكنا، أي من القيم الروحية التي يجب أن تصدر عنها انفعالاتنا النفسية؟ وهل شيد أسلافنا صروح الحضارة إلا بهذا التفكير؟. . .

المثلث الخالد:

تتجمع هذه القيم الروحية في المثلث الخالد، وهو الحقيقة والجمال والخير. فالحقيقة توافق داخلي بين فعالية الروح وموضوعها. والإنسان بحاجة لمعرفة الحقائق ليحيي إنسانا. ولا يمكن الحصول على الحقيقة إلا إذا تجردنا عن مصالحنا وأهوائنا.

فللحقيقة قواعدها الخاصة، وهي موجودة في الكون، ولكنها موجودة بالقوة، والإنسان هو الذي يخرجها لخير الفعل، فتصبح به كائنة بالفعل. والإنسان الذي أنيط به إخراجها لخير الفعل يستطيع تزييف هذه الحقائق وقلبها، ومن هنا يصدر إمكان الدجل والتزوير، من العلماء أنفسهم.

والفرق بين الحقيقة المجردة والحقيقة المزيفة أن الإنسان يصل للأولى بقدر ما يترك نفسه على سجيتها، ومتى أراد التزييف بذل جهدا خاصا. ولذلك تقع التبعة في تزييف الحقائق على الإنسان وحده، لأنه يقوم به بمحض إرادته. ولعمري أنها جريمة من أفظع الجرائم، سواء أخدع الإنسان بذلك نفسه، أم خدع الآخرين.

أما الجمال فهو ما يثير في النفس الانبساط والإعجاب معا. وأقصد بالانبساط معناه اللغوي، أي امتداد النفس واتساعها، فيشعر الإنسان أمام أي مظهر من مظاهر الجمال بامتداد في روحه يجعله يحاول أن يتجاوز نفسه في السمو.

تصور نفسك أمام أثر فني رائع، وأثر معماري خالد، أو أنك تقرأ قطعة أدبية فنية، أو تستمع إلى سيمفونية راقية، أو أنك أمام غير ذلك من آثار الفنون الجميلة، فتشعر بذلك التأثير، إذا كان في روحك انطلاق. وما ذلك إلا لأن الجمال، في حقيقته، حر مجرد؛

<<  <  ج:
ص:  >  >>