للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والتأثر به إنما يكون نتيجة لفعالية روحية حرة مجردة. فمتى اتصل هذا الإحساس بمأرب أو غرض ذهبت روعة الجمال، وضاعت على الإنسان مسرات سحرة، فيصبح حيوانا مخربا، يفسد على الجمال روعته. أو يخسر الجمال قيمته الروحية.

تذوق الجمال استجابة لفيض من القوة الروحية وفعاليتها، يبذلها الإنسان للبذل. كلنا يشعر، لا سيما في أوقات فراغه، بفيض من الفعالية يحتار في أمر استخدامها؛ فإذا لم تجد مخرجا ألقت بالإنسان في غياهب الذهول، فيصبح أسير الأحلام النهارية، ويتأثر بالمنامات. وهذه حالة كثيرا ما تؤدي إلى الضعف والفساد. إن قوى الإنسان بحاجة لأن تتمرن للتمرن، فلا تكتفي بالعمل العادي؛ فوجب أن تصرف في الألعاب ورياضة الجسد، وفي تذوق الجمال في مظاهره المختلفة من أدب وموسيقى وتصوير وغيرها من آثار الفنون الجميلة.

فإذا اهتمت الأمم الراقية بهذه الفنون وبالرياضة البدنية، فإنما تعني بذلك لتحفظ في الشباب قواهم الروحية، ولتنمي هذه القوى، خشية من تحولها لفساد، أو ذهول، تضعف معهما إنسانية الإنسان وقد تتلاشى. فلا غرابة إذا رأينا المربين يؤيدون مبدأ إصلاح المجتمع بالفنون الجميلة وبتشجيعها.

إن الفنان الجدير بفنه يتحكم بالزمن تحكما لا يستطيعه غيره. يستطيع كل إنسان أن يعود إلى أي مكان سبق ومر به؛ ولكنه لا يستطيع أن يستعيد لنا لحظة مرت سوى الفنان من بني الإنسان. والفنان يستطيع، عدا ذلك، أن يستبقي تلك اللحظة، وأن يخلدها. فإنه يأخذ من أي مظهر من مظاهر الجمال، وقد تجلى في زمن من الأزمان، عناصر هامة يركب منها رائعته التي تحفظ لك ذلك التجلي وزمنه، ويجعل باستطاعتك العودة إليه متى أردت. فكأنه يحرر هذه العناصر من جبرية المادة ونواميسها، ويمنحها كيانا جديدا يصله بروحك. وهذا ما يضمن للأثر الفني الخلود. إنه قد عبر عن نفسية الفنان، وانبثق عن روحه، فكانت له قيمته الروحية. ولهذا جعل الفلاسفة الجمال مبدأ للخير.

والخير هو حصول الشيء على كماله، أو، حسب تعريف بعض المعاصرين، ما يجب اختياره.

فالحرية والإرادة شرطان أساسيان في تحقيق وجوده ولا يستطيع الإنسان أن يكون حرا في اختيار ما يجب اختياره إلا إذا كان مثقفا لحد ما.

<<  <  ج:
ص:  >  >>