للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ومن هنا نشأت فكرة وجوب الغاية لتثقيف الجماهير في الأمم الديمقراطية الحرة، إذ مهما كان العمل عظيما، فلا يعتبر فضيلة، إن لم يقترن بالفهم والتفكير، أي بالروح العلمية.

فهذه القيم: الحقيقة والجمال والخير، مهما افترقت في مفاهيمها، فإنه يجمعها أنها تشترك كلها في تكوين المثل العليا الصحيحة. ولا تكون المثل العليا صحيحة إلا إذا دخلت في دائرة التأمل والإرادة، وكانت ثورية في طبيعتها.

قال بيجوي: (. . . وهكذا، فإن أول شكل للمثل الأعلى في التاريخ، وأول شكل يكشفه، هو النقد والمناظرة، وإنه، لدرجة ما، ثوري دائما). ولعله يقصد بالثورة، هنا، ثورة النفس على النفس، ليتم الانقلاب فيها أولا، قبل أن تفكر في قلب المجتمع: (لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). (قرآن كريم)

إننا ندعو للقيم الروحية لتستقر مشاريعنا، ولتستمر؛ لأن المشاريع التي تتعلق بالفرد تزول بزواله، أو بزوال نشاطه. قال ويلز: (إذا أردت أن تبعث شعبا من الشعوب من غفوته، فحسبك أن تبعث في حياته روحا علمية في التفكير، وشعورا لطيفا في النفس يتفجر عنه الحب والعواطف).

ومن هنا يجب أن يندفع الإنسان إلى العمل. فلا بد في الحصول على مسرات القيم الروحية ومباهجها وفي بلوغ نتائج تأثيراتها الرائعة في توجيه الأمم وإنهاضها وعظمتها؛ لا بد في ذلك كله من أن يبدأ المواطنون بثورة النفس على النفس؛ ولا يتسنى لأي إنسان القيام بهذه الثورة إلا بعد تحطيم الأصنام المتربعة على عرش قلبه، قبل كل شيء.

لا يمكن معرفة الحقيقة الناصعة، وتذوق الجمال الرائع، والانجذاب إلى عمل الخير النافع، ولا يستطيع الإنسان اعتناق المثل العليا، وهي وحدها تبعث الاطمئنان في النفوس، إلا بمواجهة الواقع. ومواجهة الواقع بصدق وإخلاص ودراية يقضي حتما بتحطيم ما في النفس من أصنام تدفعها لطرق ملتوية لا تستقيم معها النفوس. والأصنام كثيرة: منها ما هو مادي خارجي يؤثر في النفوس، كالمظاهر المادية ووسائل الترف؛ ومنها ما هو نفسي داخلي يتآكل في النفس إنسانية الإنسان. وكل امرئ يعرف أصنامه، وما دام عابدا لها فليس له أن ينتظر رقيا ولا تقدما في نفسه، بلة في مجموع يعتمد عليه.

قال بارودي: (نخشى من جمود المؤسسات والأخلاق والعقائد، لئلا تتحول لآلية نفسية أو

<<  <  ج:
ص:  >  >>