عن خواطره، وكيف يبرهن على نظريته بالعقل والمنطق، فأنه يستطيع أن يطمئن إلى نفسه، ويمسك بزمامها، ويقابل من يشاء، ويخاطب من يريد، ما دام متحليا بالأدب، واثقا من نفسه، وكان عقله مرتبا وأفكاره منطقية، بحيث لا يتسرع في ذكر شئ يدل على عقل مضطرب، أو روح قلق، ولا يتظاهر بما ليس فيه. وإذا وفقت مما تريد أن تقوله فهذا وحده كاف لأن تؤثر في نفوس سامعيك، وتنظر إليهم وتقابلهم بكل قلبك وجها لوجه، وتجعل قلبك وروحك في إثبات ما تريد أثباته، أو نفي ما تريد نفيه، فتتكلم بقلبك لا بلسانك. ولا شئ يبرهن على الشجاعة ويخضد شوكتهااكثر من الهلع؛ فحيثما وجد وجد الألم، والقلق النفسي، وتعب الضمير، واضطراب العقل، فتضطرب شخصية الإنسان. ولأن كان الخوف ثمنا ندفعه في سبيل المحافظة على الحياة فالإفراط فيه عيب من العيوب الإنسانية التي يجب تهذيبها، والتي تقضي بأن يفكر الإنسان في الشيء وفي نتائجه.
وبجانب المخاوف التي تلحق الشخص في حاضره، وتحيط به من وقت لآخر، مخاوف وهمية يتوهمها، ويتخيل حدوثها في المستقبل، فيقلق باله، ويضطرب فكره، وتضعف شخصيته. وكثيرا ما تكون هذه الأوهام المخيفة المبنية على غير أساس، وندر أن تقع. وكم إغتممنا لتوقع مصائب لم تحدث، ولن تحدث. وتكثر هذه المخاوف عادة لدى الشخصيات الضعيفة. أما ذوو الشخصيات القوية فلا يكثرون من الهموم من غير ما سبب، ولأقل سبب، بل يستقبلون الحياة كما هي، ويواجهونها بما فيها من مسرات وأحزان، وسعادة وشقاء على السواء، يبتسمون بهدؤ حتى في مواطن البكاء، ويصبرون في مواقف البأساء. هؤلاء جديرين بالنجاح في الحياة لشدة ثقتهم بالله.
والحياة مملوءة بالحوادث والمصائب، والعجائب والغرائب. ولا يستطيع الإنسان أن يعرف ما ينتظره في الغد من المقادير، وقد تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فيفاجأ الإنسان بأشياء ما كان ينتظرها، كمرض أو فقد مال أو خسارة. فبهذه وبكثير أمثالها من الحوادث تختبر رجولتنا، ويعرف معدن الرجولة فينا، وبالروح التي نقابل فيها هذه الحوادث تظهر شخصيتنا أو تستتر. ولا تظهر الرجال إلا عند الشدائد والمصاعب. وبما أن النجاح في الحياة ليس من السهل فيجب أن يتعلم الإنسان كيف يبتسم في الأيام المظلمة، كما يبتسم عند المسرات في أيام السعادة والهناءة. وينبغي أن يتعود الشجاعة والاحتفاظ بقواه عند الملمات