يكن اليوم ففي الغد القريب على كل حال. والفضل كل الفضل لأن هذا الفنان قد حمل المشعل منذ سنين فأنار الطريق، ودفع السالكين بكلتا يديه إلى الأمام!.
إنني حين أعلم أن بعض جوانب هذه الشخصية الأدبية لا يرضيني فليس معنا هذا أن توفيق الحكيم يقف وحده في مجال النقص والقصور، كلا. . . فما يسلم كاتب في الشرق ولا في الغرب من هذا الذي يأخذه النقد على توفيق الحكيم! إن (أوديب الملك) التي أخرجها منذ شهور لم تبلغ الغاية التي كنت أرجوها من كاتب يدرك تمام الإدراك ما ينتظره من صعاب وهو يطرق أبواب سوفو كليس، ولكن هذا العمل الفني الذي أخفق فيه توفيق الحكيم وهو يواجه عميد الترتديجيا اليونانية يعلو فوق مستوى أمثاله عند من حاولوا نفس المحاولة من كتاب المسرحية في أدب الغرب، وسأقف في كل وقت وفي كل مكان لأقول إن (أوديب) توفيق الحكيم أفضل بكثير من (أوديب) جان كوكتو , أندرية جيد!
بعد هذا أعود فأقول للأديب الحقوقي الفاضل إنني حين قلة عن توفيق الحكيم إنه يعيش في دنياه هو لا في دنيا الناس كنت أرمي إلى أدبه المسرحي لا إلى هذا الأدب الذي يدخل في باب اليوميات. . . إن الكتاب الذي أشار إليه لا يعد قصه بالمعنى المفهوم من القصة، ولكنه مشاهدات نقلها الأستاذ الحكيم من واقع الحياة إلى الفن بعد أن لونتها ريشة القصاص بألوان العرض الفني الذي يأخذ من القصة ثوبها الخارجي ولا يتعداه. ومع ذلك فأنا أحب أن أوضح نقطة تدخل في صميم هذا الجانب الذي نبحث فيه، وهو أن توفيق الحكيم قد مضى يعالج فن المسرحية في الوقت الذي ابتعد فيه عن الحياة وانطوى على نفسه. إنك عندما تقرأ أعماله الفنية الأولى التي سجلها ليصور بها تلك البيئات المختلفة التي عاشه فيها بالجسم والفكر والروح والحواس تلمس أن الحياة تتنفس تنفسا عميقا في فنه، وأن عدسة القصاص قد بلغات من دقة اللقطات ما لا يتهيأ إلا لكل فنان مفتوح العينين والقلب والذهن. . . اقرأ مثلا (عودة الروح) و (يوميات نائب في الأرياف) تحس أن الحياة فيهما تكاد تنتقض بين يديك وتتحرك أمام ناظريك؛ تنتفض بمواكب لا تحصى من الصور النفسية والنماذج البشرية! لقد كانت العدسة البارعة تنتقل من الشوارع إلى الأزقة، من المدينة إلى القرية، من القصر إلى الكوخ؛ ترقب، وتتأمل، وتسجل. . . وإذا حرارة التعبير قد ارتفعت لتلفح إحساسك على الورق، وإذا لمحة الخاطر قد استحالت فكرة في ثنايا