أو يكاد على تلك الألوان التي تستمد عناصرها ومقوماتها من واقع الحياة، ليرفع مرة أخرى عن تلك الألوان التي تستمد عناصرها ومقوماتها من واقع الأساطير!. . . قد يقول بعض النقاد إن الأسطورة في فن توفيق الحكيم مرجعها إلى أنه يريد أن يحلق في كل أفق ويريد أن يطرق كل ميدان؛ وقد يبدو هذا التفسير مقبولا لو كان هناك شئ من الاقتصاد في العمل الفني الأسطوري ولكنه إغراق له دلالته ومرماه، وأبلغ الدلالة فيه أن توفيق الحكيم قد ابتعد عن الحياة وأن الحياة قد ابتعدت عنه، وحين غاب عالم الصور الحية عن ناظرية لجأ إلى عالم الرؤى والأطياف؛ عالم المخيلة التي ترتب المنظر، وتحرك الشخوص، وتصنع الحوار، من وراء النافذة المغلقة لا في رحاب الهواء الطليق!
ومن يدري فلعل توفيق الحكيم يعود مرة أخرى إلى الحياة بعد هذا الهجر الذي طال أمده واتسع مداه، ولعله يكون قد عاد في هذه المسرحية التي تعرض منذ أيام على مسرح الأوبرا الملكية. . . إنني لم أشاهدها بعد، وأرجو إذا مشاهدتها أن تتحقق هذه الأمنية التي أنتظرها منذ بعيد، وهي رؤية فن توفيق يعب الحياة عباً كما كان. عندئذ سألهب قلبي من الإعجاب وكفي من التصفيق!
بعد هذا أعود إلى الرسالة الثانية لأقول لصاحبها إن مسألة القلب الإنساني في فن توفيق الحكيم هي مشكلة المشكلات. . . هل يملك قلباً إنسانياً أم لا يملك؟
هذا هو السؤال! إنه يملك هذا القلب، ولكنه القلب الذي لا يفتح على مصراعيه لتندفع النبضات قوية جياشة متدفقة. إنه قلب يفتحه صاحبه للحياة بمقدار، ويفتحه للناس بمقدار، ويفتحه للفن بمقدار. . . وفي غمرة هذا الضعف في الخفقة القلبية تطغى الموجة الفكرية والومضة الذهنية، هذا الطغيان الجارف في قصصه ومسرحياته!
في (عودة الروح) و (زهرة العمر) و (عصفور من الشرق) و (الرباط المقدس) و (شهرزاد) و (بجماليون) و (أهل الكهف) تحس إحساسا عميقا أن نافذة القلب الإنساني في فن توفيق الحكيم لم تكن تفتح لتهب منها رياح الوجدان، حتى تعود فتغلق أمام عواصف الفكر المنبعثة من تأملات الذهن وسبحات الخيال! أما في (سليمان الحكيم) فقد انتصر القلب على العقل. . . وهذه هي المعجزة التي دفعتني إلى القول بأن هذه المسرحية تقف منفردة باكتمال (الصراع النفسي) وقوة النبضات في القلب الإنساني، ودفعتني إلى الظن