ولكنك أنت يا سيدي لست من ورثة الإغريق. لا أنت ولا شعبك الذي تعيش فيه. قد تكون من ورثتهم بثقافتك وقراءتك ولن هذه قشرة رقيقة لا تنشئ فناً خالداً أصيلاً.
(ما من شيء أقوى من الميراث. إذا كان للخلود يد فإن الميراث يده التي ينقل بها الكائنات، كما تقول!
إنك في حاجة لأن تستلهم وراثتك الأصلية المتغلغلة في ضميرك آلاف السنين ومئات الأحقاب، لا أن تستلهم ثقافتك الطارئة في عمرك الفردي المحدود.
هنالك النبع يا صديقي لو شئت لأعمالك الخلود!
لقد تساءلت. لماذا لا ينقل العرب، فيما نقلوا عن الإغريق، التراجيديا الإغريقية؟ وكان من بين التعديلات التي ذكرتها - وأن لم ترضها - (صعوبة الفهم لذلك القصص الشعري، وكله يدور حول أساطير لا سبيل إلى فهمها إلا بشرح طويل، يذهب بلذة المتتبع لها، ويقضي على متعة الراغب في تذوقها).
لقد كدت تضع يدك على السر، ولكنك تركته مسرعاً لتقول:
(لكن على الرغم من وجاهة هذا التعليل، فإني لا أعتقد أن هذا أيضاً يحول دون نقل بعض آثار هذا الفن. فإن كتاب الجمهورية لأفلاطون قد ترجم إلى العربية. وما من شك أن فيه من الأفكار حول تلك المدينة المثالية ما يشق على العقلية الإسلامية أن تسيغه. ولكن ذلك لم يمنع من نقله. . . بل إن هذه الصعوبة بالذات قد دفعت الفارابي إلى أن يتناول جمهورية أفلاطون، فيضفي عليها ثوباً جديداً من خواطره، ويصبها في قالب عقليته الفلسفية الإسلامية).
وهكذا تبعد نهائيا عن السر وكان منك على لمسة إصبع!
إن الفارق بين كتاب الجمهورية والتراجيديا الإغريقية لبعيد. . . . إن الجمهورية موضوع يحتاج إلى (فهم) والتراجيديا موضوع يحتاج إلى (شعور). وهذه هي العقدة في قضية العرب والفن الإغريقي؛ ثم قضيتك أنت بالذات يا صديقي العزيز.
إن الصعوبة الأساسية في الأساطير واستلهامها ليست في الحاجة إلى (فهم) فالفهم قد يكون ممكناً بالشرح على نحو من الأنحاء. ولكن الصعوبة الحقيقية كامنة في الشعور بها في