للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وتعالت الأصوات صائحة:

- حدثنا عن الخالق والخليقة فنظر إلى السماء ثم قال:

- الخليقة قصيدة كانت مطوية تحت جناح الله فأطلقها شعراً منثوراً في ساعة طاب له فيها أن ينثر الشعر. . . هي قصيدة الحب والجمال وشاعرها الله. . . لقد كنتم طيوراً تغرد في حديقة الخالق، والشوق إلى تلك الحديقة التي تنقلتم على أفنانها قبل أن عرفتكم هذه الشمس هو اسمي وأبرز ما في نفوسكم التي تحن أجنحتها حنيناً لا يغذيه ولا يبلغه هدفه إلا الحب الروحاني ينير الطريق ويحرق الحجب الكثيفة. . . إن وجه الله الحبيب لا يُرى على ضوء العقل والعلم وإنما يُرى على ضوء النار التي يضطرم بها الوجدان. . . إن الله يدرك بالوجد وبالعشق الإلهي الذي يقطع إليه وحده المراحل والأدوية فإذا أطفأتم ناره في صدوركم انقلبتم رماداً. . .

واقترب منه ملاك وسأله عن الملك والملاكين فقال:

إن اليد التي تلتمس الأشياء ويندلع بين أصابعها لهيب الحلو والشوق والحنين هي اليد الحمراء الجميلة، فإذا ظفرت بها تروم وقبضت عليه أثقلها الرماد والتراب وتوارى جمالها. . . إلا ترون الينبوع كيف يفقد روحه إذا بلغ البحر، والصحراء كيف تهدم كيانها إذا اهتدت إلى الينبوع فجربوا ما استطعتم أن تطيقوا المسافة بين ينابيعكم وبحورها وبين صحاريكم وينابيعها. وبعد فما هو هذا الذي تملكون؟ هذه الأجسام، أجسامكم، أتحسبون أنها لكم؟ إنها للتراب الذي تخلى عنها إلى حين ثم يستردها ويقفل العين التي كانت النفس تطل منها على الوجود. . وهذه الأموال التي تحشدونها وخزائنها الحديدية، هي من التراب أيضاً، من مناجمه التي تفتحون لحودها ثم تعودون إليها وليس في أيديكم غير أصابعها التي تتحول إلى سنابل في الحقول. . . وهذه البيوت التي تقيمون بين جدرانها ليست لكم وكيف تملكونها وهي باقية يوم ترحلون. . . إن الحجر أشد منكم شكيمة وقوة وصبراً في ساحة البقاء. . . ما الذي تملكون؟؟ أتحسبون أنكم تملكون الفكرة والعاطفة، إن أفكاركم وعواطفكم حلقات كسلاسل قديمة لا يد لكم فيها ولا تعرفون من أمرها إلا أنها توثقكم. . . إن قلوبكم ليست لكم فهي تقيم فيكم على الرغم منها وتلح بنبضاتها المتعاقبة للخروج من أقفاصها، أصابها (كوبيد) ببعض سهامه الطائشة، فوقفت في صدوركم وظلت هناك جريحة تئن

<<  <  ج:
ص:  >  >>