ضعيف) وإذا كان (ابنجهوس) من علماء النفس يفرق بين الإحساس والصورة فيرى أنها باهتة مصفرة كأنها من مادة الأثير، وإذا كان غيره من علماء النفس أمثال بهنس لا يرى في الصورة إلا مادة ضئيلة شفافة متشمعة نحيلة قابلة للذوبان بل للتبخير، فأن الأدباء يرحبون بمثل هذه الصور ويرون فيها مادتهم المطاوعة للخيال، ومن ثم للخلق والابتكار. لنحذر إذن علم النفس فلا نتورط في تقسيماته وقواعده إذا أردنا أن نحتفظ بالأدب وموارده، فإن الصور هي متاع الأديب ينضده كيفما شاء ويستمتع بمرآها ولو كان باهتاُ مصفراُ. إن علم النفس (بموضوعيته) الحاضرة التي يريد بها أن يثبت شخصه أمام غيره من العلوم يريد أن يضغط على (الذاتية) التي يعتز بها الأدب ولا يمكنه أن يتخلص منها لا في الإنتاج ولا في النقد. فكما للأديب عالمه فإن للأدب (علم نفسه) الذي لا يحب أن يخضع إلى العلم الخاص دائماُ، بل له أن يتحكم فيه أحياناُ. إن هذه الصور الباهتة تتجسم أمام الأديب حتى تكون حقيقة ماثلة أمامه، وحتى لا يستطيع أن يفرق مع تسلطها بين الحقيقة وبين الخيال؛ وفي هذا الاتصال سر الأدب. فأجمله ما تخيلت فيه لترجع بحقيقة، وما حققت فيه لترجع بخيال. فحقيقة الأدب تبدو لجدتها أنها متخيلة، وخيال الأديب يبدو لإمكان وقوعه أنه حقيقة واقعة. فسر الجمال الأدبي في الإضافات التي تضيفها إلى العالم الخارجي، وفي المثالية التي ندركها من الصور الداخلية سواء أكانت صوراً نفسية محضة، أم صوراً خارجية تحولت وباعدنا بينها وبين عالمها الأول بما أضفينا عليها من المثالية. إن الأدب وجماله في هذه الزيادة التي نضيفها إلى القيم الوجودية في العالم الخارجي، وإلى القيم الإصلاحية اللغوية. وإن الذوق الأدبي ليس في القيم اللغوية للألفاظ ولا في القيم الحقيقية للمعاني، بل في القيمة التقديرية التي يهبها الأديب هبة للألفاظ والمعاني، أي في القيمة التصويرية. وبعبارة حديثة في الانسجام الذي نحسه في الموسيقى، ونحسه أكثر عند النشاز، وفي الملاءمة التي نحسها بين الألوان في التصوير، ونحسها أكثر إذا اختلطت الألوان ونبا بها النظر وفي الفترات الزمنية التي نحسها في التقسيم الوزن والفواصل وإيراد المعنى؛ هذا التقسيم المعبر عنه بالمقابلة وبقدر احتفاظنا بهذه التقديرية أو الإضافية تكون نظرتنا للأدب. فالأدب (الكلاسيكي) اهتم بالقيم الحقيقية وغالى فيها. والأدب (الرومانتيكي) اهتم بالقيم الإضافية والفردية التي نضيفها إلى القيم الوجودية الحسية