فان سيطرة موسكو على منطقة نفوذها في شرقي أوربا تستدعي أن تنسق يوغسلافيا إنتاجها الزراعي والصناعي بحيث لا ينافس الصناعة والإنتاج الروسيين وإنتاج الدول الشيوعية الأخرى لئلا تنقصم عرى الوحدة الاقتصادية في منطقة النفوذ الشيوعي وتيتو لا يرى أن من المصلحة القومية أن يحصر إنتاج بلاده ونشاطها الاقتصادي في أصناف معينة أو مقادير محدودة مراعاة لمصلحة موسكو والدول الموالية لها. وهو يرى إن يوغسلافيا تستطيع أن تحقق إنتاجاً وافراً دون قيود والتزامات اختيارية أو اضطرارية فتستفيد وترفع مستوى معيشته سكانها بدل أن تضحي بذلك إرضاء لتعليمات الكومنفورم.
ويقول تيتو صراحة إن بلاده لم تتحرر على يد الجيش الروسي أو الجيوش الحلفاء من النير الطلياني والألماني، وإنما الذي حرر يوغسلافيا هم أبنائها من الثوار ورجال المقاومة السرية، ولذلك فليست يوغسلافيا مدينة لأحد، وهي ترفض الانصياع لأوامر موسكو والاستسلام لرغبات الغرب.
هذه العزلة الاقتصادية والسياسية التي اختارها تيتو لنفسه ولبلاده قد استوجبت التزامات ثقيلة. وقد أصر تيتو على أن يلمس بنفسه طبيعة هذه الالتزامات وانعكاساتها على طبقات الشعب فقام يجوب إنحاء البلاد ليتعرف مطالبها ويقف على مشكلات الأقليات العنصرية والطائفية المختلفة الميول والنزعات.
وكان لاختبار تيتو حالة الشعب ووسائل الإنتاج اختباراً شخصياً أثر بليغ في تفهمه لحقيقة الوضع ومواطن الضعف وإمكانيات القوة. كما إن اتصالاته الشخصية قد عززت مكانته في قلوب الشعب تعزيزاً متيناً. وتيتو هو أول زعيم شيوعي مسؤول يترك قصره المحاط بالحراس ويندفع في طول البلاد وعرضها يدرس ويتعرف عن كثب.
ولقد اكتشف تيتو البون الشاسع بين وضع المشروعات والبرامج على الخرائط والورق وبين حقيقة تنفيذها. فقد وجد إن العمال في المصانع والمزارع التي تملكها الدولة بطيئو النشاط قليلو الإنتاج منحطو المعنوية بسبب الظروف الصعبة التي تحيط بالحياة العمالية فعمل تيتو جاداً لزيادة نشاطهم وإنتاجهم ورفع معنوياتهم عن طريق التحسين في شؤون العمل وظروفه وشروطه الصحية وساعات الراحة وحصة في الأرباح وجوائز التفوق