للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

به، فلقد كان له قبل ذلك جهاد طويل، ولكنه في ميدان آخر. فقد تولى التدريس زمناً في كلية النجاح الوطنية بنابلس، كما تولاها زمناً في العراق. فلقن طلابه دروساً في الوطنية، أضعاف دروسه في اللغة والأدب وكان له في الصحافة المحلية ميداناً لا يفتأ ينثر فيه من آيات إبداعه شتى الألوان وقد طوف في الأقطار العربية المجاورة وتعرف إلى جماعة الأدباء فيها، فأصبح بينهم علماُ يعرفه القريب والبعيد ومن من أدباء فلسطين ومتأدبيها لا يذكر القصيدة العصماء التي استقبل فيها الأمير السعودي يوم زار بيت المقدس. وكان أحد أبياتها قوله:

(المسجد الأقصى) أتيت تزوره؟ ... أم جئته قبل الضياع تودعه؟

لقد كانت تلك القصيدة - يومذاك - حديث المجالس وطرفة الأدباء. وكأنما تكشف له فيها حجاب الغيب، فنظر من خلفه ما صارت إليه الأمور!

وان لهذا الشاعر من ضروب القول ما يضيق عن سرده المجال (لو وصلت إليه يدي!)، حسبك أنه يقع في دواوين! ولا أدري ماذا فعل الله بآثاره، وأني لأعلم أنها كانت لا تزال مخطوطة كلها. . ويحضرني من غزله أبيات - له ما يفضلها - من قصيدة عنوانها (يا غادرة!) قال فيها:

روحي فقد راح الذي بيننا ... كالبارح السالف ما أن يعود!

روحي ولا تأسي على حالتي ... وأنسي مواثيقي وخوني العهود

لا تحملي من ذكرى عهد الهوى ... أن الهوى صعب وحمل يؤدد!

روحي فقد راح الذي بيننا

إذا تلاقينا فلا تنظري ... أرى وميض الغدر في ناظريك

ولا تشيري لي ولا تومئي ... وددت تقطع كلتا يديك!

روحي فقد راح الذي بيننا ... فلعنة الحب وقلبي عليك. .

هذا هو أحد الثلاثة المجاهدين، بذل من أجل وطنه غاية ما يملكه (وهو دمه!) وخلف من وراءه في قرية (عنتبا) أطفالاً ليس لهم عائل، وأيما لم يترك لها تراثاً، إلا أن تكون هذه البطولة الفذة، تنشئ عليها صغاره!!، فرحم الله الشهيد البطل (عبد الرحيم محمود). . .

يا أخي القارئ؛ لست أزعم لك ما قام به هؤلاء الثلاثة بطولة نادرة، وأعمال خارقة يعجز

<<  <  ج:
ص:  >  >>