الصبيان والشبان بالليل والنهار وتشغلهم عن أعمالهم، وتفتنهم عن آدابهم، وتفسدهم بكل ضروب الفساد.
إن التلميذ الذي يترك محاضرته وأستاذه ومكتبته ليسارع إلى الأمريكيين وغير الأمريكيين لا يرجى منه خير. وإن التلميذ الذي يمضي ليله أو بعض ليله ساهراً في هذه الملاهي لا تبقى فيه بقية لتعليم أو تهذيب. وليس الإثم عليه ولكن على من أحاطوه بهذه الفتن ثم خلوا بينه وبينها.
ثم نظرنا فإذا التلميذ خارج على كل نظام، مزدر بكل قانون، مستهين بمعلمه ومدرسته وحكومته وأمته، من حيث يدري ولا يدري؛ وإذا أقرب شيء إلى نفوس التلاميذ أن يصيح صائح بهجر الدرس، أو ينعق ناعق بتدمير المدرسة، أو يأمر شيطان بالهجوم على معلم أو ناظر، أو الاقتحام على مجلس الجامعة وفيه كبار الأساتيذ، فتردد الصيحة، وتستجاب الدعوة، فينطلق الشر من عقاله إلى غير غاية. ونظرنا فإذا هذا الهرج والمرج وما هو أشنع من الهرج والمرج.
ويقولون الحرية! لنا الحرية أن نخرج إذا شئنا، وأن نضرب إذا أردنا. ويمضون في دعوى الحرية فإذا لهم الحرية في أن يخرجوا غيرهم من دور العلم قَسراً، وإذا لهم الحرية في أن يحرموا إخوانهم حريتهم في الاستماع إلى الدرس، وينكروا على معلمهم الحرية في التدريس، وإذا الفئة القليلة الشاغبة لها الحرية في أن تخرج الفئة الكثيرة الحريصة على العلم، وإذا هذه الكثرة المستمعة إلى الدرس ليس لها الحرية في أن تستمع، ولهذه القلة الصاخبة كل الحرية في أن تمتنع عن الدرس وأن تمنع غيرها.
وانتبهنا فراعنا أن شفقة الآباء وبر الأولاد - وكانا عماد ما بين التلميذ وأستاذه - قد ضلاّ في هذه الضوضاء، وامّحيا في هذا الشقاء. وإذا آلات كآلات المكينة تدور لا عقل لها ولا قلب، ولا سمع ولا بصر.
فنقول رحم الله زماناً كان سرور التلميذ وفخره بأن يكلمه أستاذه، وأن يكبّ هو على يد أستاذه يقبلها في المدرسة وغير المدرسة! ورحم الله أيام كان طلبة الأزهر يقبلون يد الشيخ عقب كل درس ويتنافسون في حمل حذائه إلى الباب.
وعلى ذكر الأزهر أقول: إنه لم ينج من هذه الفتن، وكان الرجاء أن ينجو، ولم يبعد عن