للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وشادن أسأله قهوة ... فجاء بالقهوة والورد

فبت أسقى الراح من ريقه ... وأجتني الورد من الخد

حتى في النوم عندما يزوره طيف من يهوى لا يقنع إلا بالحب الواصل، ولا يرضيه إلا أن يظفر في النوم بما كان يظفر به في اليقظة، فهو يرسل إلى من يحب رسالته منها:

إني رأيتك في المنام ضجيعتي ... وكأن ساعدك الوثير وسادي

وكأنما عانقتِني وشكوتِ ما ... أشكوه من وجدي وطول سهادي

وكأنني قبلت ثغرك والطلا ... والوجنتين ونلت منك مرادي

والمعتمد يسجل في شعره ما ظفر به من متع حسية بالجمال، ويحن إليها إذا نأى عنها، وشعره في الشوق إلى الجمال المفارق بارع قوي، ومن ذلك ما كتب به إلى ابن عمار يذكر عهده بشلب (إحدى مدن الأندلس) ولياليه السعيدة بها، ومعاهد لهوه فيها، فقال:

ألا حي أوطاني بشلب أبا بكر ... وسلهن هل عهد الوصال كما أدري

وسلم على قصر الشراحيب عن فتى ... له أبدا شوق إلى ذلك القصر

منازل آساد وبيض نواعم ... فناهيك من غيل وناهيك من خدر

وكم ليلة قد بت أنعم صبحها ... بمخصبة الأرداف مجدية الخصر

وبيض وسمر فاعلات بمهجتي ... فعال الصفاح البيض والأسَل السمر

وليل بسد النهر لهواً قطعته ... بذات سوار مثل منعطف البدر

نضت بردها عن غصن بان منعم ... فيا حسن ما انشق الكمام عن الزهر

وباتت تسقيني المدام بلحظها ... فمن كأسها حيناً وحيناً من الثغر

وأغلب الظن أن ميدان حبه كان جواريه وحظاياه، وهؤلاء كن قريبات منه؛ ولهذا لا تحس في شعره لوعة ولا حرمانا، فهجر الجواري دلال ينتهي بوصل، وخصام لا يلبث الصلح أن يعقبه، والفراق إذا كان اليوم، ففي غد اللقيا والوصال، وهو حين يغالي في التعبير عن أساه للهجر والفراق - مدلل لمن يهواه، وكثيراً ما صور لنا مداعبات جرت بينه وبين من يهوى. ولعل من أرقها تلك التي صورها وقد جرى بينه وبين جاريته جوهر عتاب فكتب إليها يسترضيها، فأجابته برقعة لم تعنونها باسمها، فقال:

لم تَصْفُ لي بعد، وإلا فلمْ ... لم أر في عنوانها جوهره

<<  <  ج:
ص:  >  >>