للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

انتفضت تلك العربة الكبيرة الثقيلة وتمطت واهتزت كأنها هي أيضاً كانت نائمة. وتحركت بحركة مزعجة، وأرسلت أصواتاً كأنها شكوى عميقة يثيرها اضطراب دائم، ثم سارت وهي تحمل مع اضطراب ألواحها الزجاجية جسمين مضطربين وهما بائع التذاكر وزبونها الوحيد.

تقدم بائع التذاكر من الراكب الوحيد وسلمه تذكرته وأستلم نقوده من غير ان ينبسا ببنت شفة، ثم عاد بائع التذاكر إلى جريدته يقرؤها، وعاد الراكب إلى ما أجتمع تحت مظلته من المياه ينظر أليها.

في تلك الأثناء كثر اهتزاز العربة. وأخرجت أصواتاً مزعجة كأن أسنان تلك العربة. ذلك المخلوق البطيء، تعض الخط الحديدي بشدة. مظهرة ألمها واستياءها، وصلنا إلى (سركه جي) فلم ير بائع التذاكر حاجة إلى وقوف العربة، وهي آخر العربات حركة، لوثوقه أنه لا يوجد راكب في مثل هذا الظلام البهيم، فصفر معلناً الحركة، ولكن السائق صاح قائلاً:

- راكب!

وقفت العربة فقلت في نفسي (شيء مؤلم! كم كنت مستريحاً وحدي!) ثم فتح الباب فما كدت أبصر الداخل حتى تغير رأيي، فقد كان الراكب الجديد فتاة شابة قد ابتلت ثيابها من المطر لأنه كان ينزل عليها فلا ترده عنها مظلتا الصغيرة، كانت صفراء الوجه من البرد، وكانت شفتاها متقلصتين وأسنانها مصطكة، وعليها ثوب أبيض فوقه معطف بني اللون لا يشك الناظر أليه في أن ذلك الشتاء لم يكن أول شتاء مر عليه. فجعلت بهذه الهيئة الفقيرة المؤلمة في الجهة المقابلة لي، وفي الحال مدت يدها الجامدة من البرد في قفازها الذي امتدت منه أطراف أصابعها والمحيط بأسلاك بيضاء، إلى جيب معطفها لتخرج منه حقيبة النقود، فأخرجت منديلاً أبيض ثم حقيبة تقادم عهدها وحال لونها لكثرة الاستعمال وتمزقت جوانبها، فأخذت تعالجها لتفتحها فلم تقدر كأن قفلها قد تعطل. فعالجتها المسكينة كثيراً، والحقيبة مصرة على ألا تنفتح، وبائع التذاكر واقف أمامها يهتز ذات اليمين وذات الشمال من حركة التزام وجريدته تحت إبطه، ينتظر النقود منها، لقد ملك النظر إلى الماء المتجمع أمامي من المظلة فرفعت رأسي أخذت أنظر أليها نظري إلى شيء جديد كانت هي على ما يظهر من حالها متألمة من عدم تمكنها من فتح الحقيبة بسرعة لأنها كانت تعالجها كمن يود

<<  <  ج:
ص:  >  >>