للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كسرها، وأخيراً فتحت الحقيبة فأدخلت إصبعها فيها وأخذت تطوف يهما في جوانبها على ضوء العربة الضئيل.

لقد شعرت وأنا في مكان أن الحقيبة لا تحوى أشياء كثيرة يحتاج المرء معها إلى كثرة البحث والتنقيب. أدخلت يدها وهي في القفاز الممزق حتى غابت في الحقيبة وأخذت تبحث عن شيء صغير مختبئ هناك.

بعد بحث طويل بين أصابعها شيء صغير وهي تخرجه من الحقيبة فناولته إلى بائع التذاكر الذي لم يشأ أن يقطع لها التذكرة قبل أن يستلم النقود. . . . فتنفست الصعداء كأنها خرجت من مهمة صعبة وتمكنت من مقعدها كل التمكن. ثم رفعت عينها اللتين لم أستطع أن اعرف لونها تماماً.

لقد كانت تارة تنظر والعربة سائرة إلى قطع الجلود المتدلية من المسامير التي في سقف العربة، وآونة إلى المطر الذي يسمح من زاوية العربة، ثم إلى ما فوق رأسها لتعلم أين مكانها منه، وطوراً تقارب بين جفنيها وتتأمل في ضوء المصباح الضئيل، إلا أنها ضجرت من كل هذه الأشياء وسئمتها، فمسحت بظهر يدها زجاج العربة المبتل ونظرت إلى الشارع، لترى أقرب مكان نزولها أم لا يزال بعيداً؟ إلا أنها لم تر غير أشعة المصابيح الضئيلة التي تشع من الحوانيت القليلة في هذه الليلة الباردة فترقص أشعتها فوق الطين المتراكم في الشوارع.

وأخيراً نظرت إلى نظرة عجلي كأنني آخر ما يمكن أن يعرض على نظرها من الأشياء التي حولها. ولكنها وجدتني كبقية الأشياء التي استعرضتها أمام ناظريها ولم تجد فيها ما يوجب العناية، فاعترضت عني واستندت على مسند المقعد، ومدت رجليها وفيهما حذاءان عتيقان قد زر أحدهما وتمزقت عروة الثاني ولكنهما كانا جميلين، ووضعت إحدى رجليهما على الأخرى، ثم أصلحت قبعتها أسندت رأسها إلى ما خلفها وأخذت تنتظر.

هل كانت جميلة؟ لا أدري! ولكنها مع ذلك كانت مركبة من أعضاء صغيرة، حتى ليخيل للناظر إليها أن رجلاً من المولعين بالأشياء الدقيقة قد صاغها هذه الصياغة وركبها هذا التركيب، فهي مليحة بعينها الصغيرتين، وفمها الرقيق، وأنفها الدقيق، ووجهها المخروط، ولم يكن في ذلك الجسم المركب من تلك الاعضاء الصغيرة طويل غير قامتها، فقد كان

<<  <  ج:
ص:  >  >>