وكانت الظلال - وهي من الجبال هاوية -
تمحو أمامنا القرى في طياتها السود!)
ولكن الله زين السماء الدنيا بمصابيح جعلها كمنثور اللآلي، موشية برقع الليالي. إن لها لأنواراً رخية تغشى الفضاء، وإن لأنوارها لألحاناً توقعها أنامل قدسية في الخفاء، وإن في ألحانها لسراً عجزت عن فهمه العقول؛ فربما كان رجعاً لزفزفة الرياح، أو صدى لزقزقة الأطيار، أو ترديداً لخرير الأنهار، أو تسجيلاً لسحر العشاق.
وقد اكتفى الشاعر بوصف ألحان الليل بالخفاء، وبدنوها بلا ضوضاء؛ فانطوى تحت وصفه الوجيز ما تشاء أخيلة الشعراء من سبْح في العالم المجهول.
(لكنَّ كواكب الليل بألحانها الخفية
- وهي تدنو بلا صخب ولا ضوضاء -
تغشَى الفضاء بأنوارها الرخية،
ملقيةً على كل شيء نقابها الوضاء!)
وما كان أسرع لامرتين إلى اقتناص التشبيهات المحكمة!
فلقد رأى صورة الكوكب الذي يضيء في الليل محراب الطبيعة أدنى إلى صورة المصباح الذي ينير بضوئه الخاشع جنبات المعابد بعد أن تنمحي آية النهار: وكما أن هذا المصباح يعوض لألاء الشمس عند الراهب المتبتل، فيحسب ضوءه الباهت الخاشع نوراً ساطعاً وهاجاً، لأنه يشعره بمعاني الورع والتقى والزهادة، فإن الكوكب يعوِّض النهار الأضحيان، عند العاشق الولهان، فيخلع على ضوئه الرخيّ معاني شعرية، وأسراراً علوية، إذ يوحي إليه سمراً شجياً، وحديثاً حلواً ندياً. . .
(كذلك. . . حين تشحب رويداً رويداً أشعة المساء
في معابدنا المقدسة التي تضيئها آية النهار،
يملأ المصباح - وهو يرسل خاشع الضياء -
جوانب المحراب بساطع الأنوار.)
ولعلَّ ألحان الكواكب - بلطفها وخفائها - هي التي ذكَّرت الشاعر بألحان روحه، وقتما كان هذا الروح يسكر سكرته الوديعة، وهو يتأمل مناظر الطبيعة، ويرجع البصر فيها بين