فلو عدتما لاخترتما العود في الثرى ... إذا أنتما أبصرتماني في الأسر
أما شعره في الأسر فكان سلواه، يشكو له بثه، ويندب إليه حظه، ويحدثه بآلامه، ويبكي به مصيره ومصير ملكه.
وقد دافع المعتمد عن عرشه، وخرج بسيفه يذود عن حماه، ولم يستمع إلى رأي ناصحيه الذين أشاروا عليه بأن يتخذ خضوعه للمغيرين سياسة ينتهجها، عساهم يبقونه على العرش، فأبى، ورأى استلاب عرشه أفضل من النزول عن شرفه:
قالوا: الخضوع سياسة ... فليبد منك لهم خضوع
وألذ من طعم الخضو ... ع على فمي السم النقيع
إن يسلب القوم العدا ... ملكي وتسلمني الجموع
فالقلب بين ضلوعه ... لم تسلم القلب الضلوع
لم أستلب شرف الطبا ... ع، أيسلب الشرف الرفيع
واستقبل المعتمد أسره لا بالثورة والتهديد والوعيد، ولكن بالبكاء والنحيب، فلم نر في شعره حديثاً عن أنصار سيثورون، ولا عن شعب سينتقم، بل رأينا استسلاما لآسريه، وبكاء على ماضيه. خرج به يوسف بن ناشفين إلى العدوة بعد أن خلعه، فوصل إلى موضع منها، وأهل البلد خارجون للاستسقاء فقال:
خرجوا ليستسقوا، فقلت لهم ... دمعي ينوب لكم عن الأنواء
قالوا: حقيق، في دموعك مقنع ... لكنها ممزوجة بدماء
ولم نره طول مدة مقامه في الأسر متوعداً ولا ثائراً، بل يائساً مستسلماً، ولم يمر به أمل العودة إلى سابق مجده إلى مروراً عابراً كما يمر به في حلم إذ يقول:
فيا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... أمامي وخلفي روضة وغدير
تراه عسيراً أم يسيرا مناله ... ألا كل ما شاء الإله يسير
ولم نحس بروح الثورة في شعر المعتمد وهو أسير إلا عند ما بلغ نبأ ثورة ابنه عبد الجبار، فهنا يذكر المعتمد السيف الذي طال رقاده في جفنه، والرمح الذي عطش إلى شرب الدماء، والجواد وقد حيل بينه وبين ارتقاب غرة في العدو فينادي قائلاً:
ألا شرف يرحم المشرفي ... مما به من شمات الوثين