ألا كرم ينعش السمهري، ... ويشفيه من كل داء دفين
ألا حنة لابن محنية ... شديد الحنين ضعيف الأنين
بل أن ذكرى مجده ومجد آبائه الغابر في القصيدة الفخرية التي أنشأها في الأسر لم تكن لتثير فيه الطموح إلى إعادة هذا المجد، بل يسلى نفسه فيها بقوله.
وإذا ما اجتمع الدين لنا ... فحقير ما من الدنيا افترق
فالسائد في شعره روح الاستسلام لجور الدهر وظلم الأيام: يوصي نفسه بالصبر، ويدعوها إلى تحمل الكرب، ويوطنها على الكره، عسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيقول:
اقنع بحظك في دنياك ما كانا ... وعز نفسك إن فارقت أوطانا
في الله من كل مفقود مضى عوض ... فأشعر القلب سلواناً وإيماناً
أما سمعت بسلطان شبيهك قد ... بزته سود خطوب الدهر سلطانا
وطن على الكره، وارقب إثره فرجا ... واستغنم الله تغنم منه غفرانا
كان هذا الأسر القاسي وما عومل به من إذلال فيه، والموازنة بين حاضره وماضيه، مدعاة لإثارة شجونه، وإدماء عيونه، وها هو ذا يصف لنا عيداً حزيناً قد أقبل عليه في منفاه وقد دخلت عليه بناته، يلبسن ثياباً أخلاقا وفي أيديهن المغزل يغزلن به للناس حتى لمن كان لهن بالأمس خادما، فثارت في خاطره أطياف السعادة الماضية، فتمزق قلبه وقال:
فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا ... فساءك العيد في أغمات مأسورا
ترى بناتك في أغمات من عُدُم ... يغزلن للناس ما يملكن قطميرا
برزن نحوك للتسليم خاشعة ... أبصارهن حسيرات مكاسيرا
يطأن في الطين، والأقدام حافية ... كأنها لم تطأ مسكا وكافورا
قد كان دهرك إن تأمره ممتثلا ... فردك الدهر منهياً ومأمورا
وكثيراً ما كان يتذكر قصوره بالأندلس فيحن إليها، ويحسن كأنها تبكي أيامه الزاهرة، ولياليه المتلألئة، ويشعر على البعد بما ارتدته من الذل والوحشة بعده.
ومما ضاعف أساه، هذا القيد الذي غلت به قدماه، وشعره مليء بالحسرة التي تمزق قلبه لهذا القيد الثقيل الذي يراه يتلوى كالحية الرقطاء، وذا أيد وبطش كالأسد، ومن أروع شعره في ذلك حديثه إلى القيد، وقد دخل عليه ابنه أبو هاشم فارتاع له: