قيدي، أما تعلمني مسلما ... أبيت أن تشفق أو ترحما
دمي شراب لك، واللحم قد ... أكلته لا تهشم الأعظما
يبصرني فيك أبو هاشم ... فينثني القلب وقد هشما
ارحم طفيلا طائشاً لبه ... لم يخش أن يأتيك مسترحما
وارحم أخياتٍ له مثلهَ ... جرعتهن السم والعلقما
ولم يكن هناك بصيص من أمل في النجاة والحرية ينفذ إلى قلبه، وكان الهم يحطمه والأسى يوهنه، واليأس يمصر قلبه، فكان يشعر بدنو أجله، بل كان يتخيل هذا اليوم قد حل، ولعله كان يراه آلامه وأحزانه، فرثى نفسه بأبيات أوصى أن تكتب على قبره، لم يشر فيها لغير ماضيه، وكأنه يريد بذلك أن يمحو من ذاكرة التاريخ ما بلاه من الأسر والشقاء حيث يقول:
قبر الغريب، سقاك الرائح الغادي ... حقاً ظفرت بأشلاء ابن عباد
بالطاعن الضارب الرامي إذا اقتتلوا ... بالخصب إن أجدبوا بالري للصادي
نعم هو الحق وافاني به قدر ... من السماء، فوافاني لميعاد
ولم أكن قبل ذاك النعش أعلمه ... أن الجبال تهادي فوق أعواد
فلا تزل صلوات الله نازلة ... على دفينك لا تحصى بتعداد
وقبل أن أختم هذا الفصل أشير إلى صلة المعتمد بالشعراء في منفاه، فقد استقبله في طنجة الحصري الشاعر، وأقبل عليه يلح في طلب العطاء ورفع إليه شعراً، فبعث إليه المعتمد بأكثر ما كان معه من مال قليل، واعتذر إليه بقطعة من الشعر، فأخذ الحصري ما أرسل إليه، ومضى مستقلاً للعطاء، مهملاً للمعتد؛ ولما سمع الشعراء بعطاء المعتمد أقبلوا عليه يسألونه، فعجب من أمرهم وقال:
سألوا العسير من الأسير وإنه ... بسؤالهم لأحق منهم فأعجب
لولا الحياء وعزة لخمية ... طي الحشا لحكاهمو في المطلب
ووفى له ثلاثة من شعرائه هم أبو بكر الداني، وابن حمديس، وابن عبد الصمد، وأبى كرم المعتمد إلا أن يرسل إلى أولهم عندما زار أغمات بالقليل الذي كان يملكه، فأبى الداني أن يأخذ على وفائه أجراً، وأما الثاني فقد أقبل يريد زيارته فصرفه بعض الخدم، فأرسل المعتمد إليه قصيدة يعتذر فيها. ولعله كان يرجو أن يرى في شاعره صورة من مجده