بحال من الأحوال أن يستشفوا ما وراء الظواهر الكونية؛ فرسوم الإنسان حتى التي تنتسب منها إلى العصر البليوليثي المتأخر لا تقدم لنا أية إشارة إلى أنه كان يهتم أدنى اهتمام بالشمس أو القمر أو النجوم أو الأشجار. . . لقد كان كل تفكيره مركزاً في الحيوان والإنسان دون غيرهما مما يقع تحت حسه وبصره من شتى الصور والمرئيات!
ولقد يسأل سائل: ألم يكن هناك نوع من العبادة يحتل مكانه من نفوس الهمج في ذلك العصر من التاريخ؟ ونحن نجيبه بأن هناك نوعاً من العبادة كان له أبعد الأثر في حياة الإنسان البدائي في العصر البليوليثي وهو (عبادة الرجل المسن). . . لقد كانت خشية الرجل المسن وأثرها العميق في نفوس أهله وعشيرته هي مقدمة الشعور الديني عند الهمج البدائيين كما يؤكد ذلك (جرانت ألان) مقتفياً أثر (هربرت سبنسر) في كتاب (تطور فكرة الإله) هذا الشعور الديني الأول كان مبعثه إجلال الأهل والعشيرة للرجل المسن، حتى لقد كان يحرم على كل فرد أن يلمس رمحه أو يجلس في مكانه! ومما كان يبث هيبته وخشيته في النفوس، ويبعث على احترامه وتقديره ذلك الدور الذي كانت تقوم به الأمهات في توجيه شعور الأبناء نحو هذا الهدف المقدس!
هذا في العصر البليوليثي، فإذا ما انتقلنا إلى العصر النيوليثي لمسنا بعض التطور في عقلية رجاله من الهمج وأشباه الهمج. . .
لقد بدأت مرحلة الرعي البدائي الذي يتطلب الترحل من مكان إلى مكان، ولقد أجبر الراعي النيوليثي المترحل بحكم هذه الحياة الجديدة على أن يشحذ فكره ليدرك الاتجاهات المختلفة وانبساط الأرض كما أجير على أن يهتم بالشمس في النهار وبالنجوم في الليل لأنها كانت أشبه بموازين يزن بها الوقت وتهديه إلى الطريق وترشده في تنقلاته ورحلاته. من هنا نبتت في نفسه بذور لون من الشعور الديني يختلف عما سبقه من شعور عند الإنسان البليوليثي. . . إن توقير (الرجل المسن) هناك قد تحول هنا إلى توقير هذه الظواهر الكونية ممثلة في اعتقاده بأنها أجسام ذوات أرواح وشخصيات تقدم له من الهداية والعون ما كان يقدمه الرجل المسن إلى أهله وعشيرته! ولكن عبادة الشمس على الرغم من هذا كله لم تحظ بنصيب وافر من عناية الرجل النيوليثي حيث وجه جل عنايته إلى عبادة النجوم؛ لأنها كانت في رأيه أثبت دليلاً من الشمس! هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقد كان