الدهشة، ولم يستطع عقلي آنذاك أن يفسر ذاك التصرف الغريب. . أتحرمني من مادلين؟. . لماذا لا أدعها تقبلني؟ لماذا لا أذهب إليها. .
رحمك الله يا أمي، فما كنت آنذاك أستطيع أن أدرك شيئاً مما كان يدور بخلدك. . أنت يا من حنكتك التجارب وعرفت من أمور الدنيا الكثير. أما الآن، وقد كبرت واتسعت مداركي، فأني أعتب عليك يا أمي - أعتب عليك حتى وأنت في عالمك الآخر: لماذا دار بخاطرك ما دار عن مادلين؟ هل كانت مادلين كغيرها من البشر؟ لماذا حرمتني منها، وحرمتها مني؟ إن الأمر لم يكن أكثر من أنها فتاة جياشة العاطفة طال بها انتظار الزواج والأمومة. . فلماذا قصرت عن فهمها؟. . .
وقد كان محالاً أن أقطع صلتي بها هكذا دفعة واحدة! أريد على الأقل أن أعود لرؤية الصور الجميلة التي بغرفتها، وأن أطل أحياناً من النافذة الكبيرة على السطح المليء باللعب وأصص الزهور!. . وهكذا مضيت إلى أمي، وتوسلت إليها والدموع في عيني قائلاً: لا أدعها تقبلني. . لكن دعيني أذهب إليها إذا نادتني مثلاً! فنظرت إلى نظرة حادة، وقالت: حسن. . . سنرى!
(وفي ذلك المساء دعوتني إليك يا مادلين، وأريتني آلة للتصوير اشتراها أخوك، ثم حاولت من بعد أن تقبليني. . كدت أن أستسلم أول الأمر حسب ما اعتدت، لكني تذكرت والدتي. . فاضطربت! لكنك ألححت يا مادلين، فلما حاولت أن أتخلص من ذراعيك. . عرت وجهك سمات الدهشة، وقلت ماذا. . ألا تريد أن أقبلك؟)
وحاولت أنا أن أنظر في عينيك لكنني لم أستطع، فأرخيت أهدابي، وكان طبيعياً أن تلحظي في تصرفي إزاءك شيئاً غريباً طارئاً، فوضعت يديك على كتفي، وحدقت فيَّ بعينين تجلت فيهما الحيرة، وقلت: لماذا؟. . لماذا لا تريد!؟)
وفي براءة الطفل، كأني أريد أن أخلص من هم يجثم على صدري، أو كأنني أريد أن ألصق التهمة بصاحبتها، رميت في وجهك بالحقيقة ويدي تخفي اضطراب وجهي. . . قلت: أمي قالت لي. لا تدع مادلين تقبلك!). فكأنما أصابتك لطمة شديدة. . . لقد شحب وجهك الحبيب، وغامت عيناك فتلاشى منهما ذلك الألق الحار في الضباب. صرفتني في لطف، لكني مضيت إلى تلك الشرفة الكبيرة التي تطل على الميدان الفسيح، وهناك انتحيت