مجتمع أصلح لتحقيق حاجات أكبر يستهدف إضعاف مفعول هذا القيد - تقييد الزواج - لا ينجح إلا في تقوية الجراثيم التي ستأكل قلب الإنسانية.
إن العلماء يميلون اليوم إلى تجنب المناقشات التي لا طائل تحتها بتوجيه سؤال واحد، هو: كيف يمكن لفروض مالتوس أن تصاغ بشكل تثبت فيه لاختبارات الباحثين في مشاكل زيادة السكان. ويقول هؤلاء العلماء: دعنا نفترض حدوث زيادة كبيرة في السكان أعقبها هبوط في استهلاك الأغذية، وإن ارتفاع معدل الوفيات أدى في النهاية إلى المجاعة. ففي هذا الفرض - حسب نظرية مالتوس - يجب أن يكون العلاج الوحيد تقليل نسب الزواج بدرجة كافية للتقليل من نسب الإخصاب البشري. ولكننا إذا ما أخضعنا هذا التقدير الافتراضي إلى حقائق علم السكان نجد - باستثناء حالات الحرب - أن شعباً واحداً فقط من بين شعوب أوروبا قد انطبقت عليه تنبؤات مالتوس وهو الشعب اليهودي. وبتعقب فترة المائة والخمسين سنة التالية لعهد مالتوس ظهر لعلماء السكان بأن هذا الباحث قد عاش في مرحلة خاصة من مراحل التطور الإنساني. وعن طريق المصادر العلمية المادية وتقدم الوسائل الإحصائية والرياضية وتطور أساليب إحصاء النفوس يستطيع هؤلاء العلماء أن يحللوا هذه المراحل ليكتشفوا التغييرات الأساسية في نسب الوفيات والولادات التي تخللتها، وبذلك تستطيع هذه التحليلات والدراسات أن تعينهم على إعداد العدة للمستقبل. ومن هنا يظهر أن أغلب أساليب التحليل والإحصاء الحديثة قد استخدمت لإصلاح عمل هذا الباحث الذي عبر عن روح العصر الذي كان يعيش فيه
ونحن نعلم علماً تاماً - بعد أن ندع جانباً التطورات التي تعود في أصلها إلى ظروف الحرب - بأن معدل الوفيات قد استمر في هبوطه منذ زمن مالتوس كما نعلم بأن ارتفاع معدل الأعمار لا ارتفاع معدل الولادات هو الذي سبب هذه الحركة في مسائل السكان وهي الحركة التي دفعت مالتوس دفعاً مباشراً لصياغة نظريته. وكان لكارساندرس فضل الكشف عن هذا الهبوط في معدل الوفيات الذي بدت ظواهره في إنجلترة حوالي ١٧٣٠ في السنة التي ولد فيها أكبر معمر في عصر مالتوس. وقد أبان هذا الباحث أن المعدل قد هبط من ٣٥ في الألف إلى ٢٢ في الألف في عام ١٨٣٠، أي بعد ثلاث سنين من إخراج مالتوس الطبعة الخامسة من رسالته. ثم مرت بعد ذلك مائة وأربعون سنة أخرى قبل أن تبدو بوادر