النفس ليستخرج حقيقة معدنها، فإذا هي نفس جادة إذا هرلت وهارلة إذا جدت!
والمعجزة الكبرى في هذه المسرحية، هي تطويع الجزالة العربية لأسلوب العصر وصب الفحولة الجاهلية في قالب الرشاقة العصرية، وقد مزجت بعض العبارات الأصلية المأثورة بأسلوب المؤلف فلا تميزها إلا بمعرفتك إياها من قبل، ومع هذا لا يذهب بك بعيداً عن لغة عصرنا هذا برقتها وسهولتها. . وأعتقد أن الأستاذ تيمور بك توخى لذلك أن يستكمل تصوير عصر المسرحية بأسلوب أشبه بلغته، وقد بلغ بذلك ما أراد مع تجنب الإغراب وترك ما ليس مأنوساً في هذا العصر.
وتعرض المسرحية صورة صادقة للحياة العربية البدوية الأولى - كما نتخيلها - وتبرز شيمها وطبائعها التي تنزع نفوسنا إليها باعتبارها أصلاً من أصولنا، ولا نزال نترسمها في مثلنا وحياتنا. وفيها تعبير عن معان وحقائق إنسانية خالدة. وهي تتسم بالجمال، جمال البيان، وجمال التنسيق في عرض الحوادث والمناظر، وجمال الصدق في التعبير عن خلجات النفوس ومفارقات الحياة.
وقد آثرت أن أمسك عما لاحظته في المسرحية مما أظنه مآخذ، إلى أن نلتقي بها في المسرح، ولعل الفرقة المصرية تفتتح بها موسمها القادم على مسرح الأوبرا، وتهيئ لنا بذلك لقاءها هناك.
نجيب الريحاني:
توفى يوم الأربعاء الماضي، الممثل الكبير الأستاذ نجيب الريحاني، وقد بعث نعيه الحزن في كافة الطبقات، فلم يكن فقيد طبقة أو طائفة دون أخرى. إنما هو فقيد أمة، عاش لها وخدمها بفنه ظل حياته على المسرح يضيء لها، وأخيراً احترق.
كان رحمه الله فناناً ساخراً، يسخر من الحياة وممن يعقدون أمورها على أنفسهم وعلى الناس، وطالما حل مشكلاتها بحكمته الضاحكة، وطالما بعث المسرة إلى القلوب بفكاهته الرائقة، وأخيراً أسدل الستار على المأساة إذ فارق الحياة. وقد كان يكشف بحاسته الفنية ما في الحياة من سخف وتفاهة، ولعله بمفارقتها قد بلغ نهاية الفن. . . إذ أشرف روحه على مهازل الأحياء فسخر منهم السخرية الكبرى.
ووفت له الجماهير، إذ احتشدت في تشييع جنازته التي هرع الناس إليها من جميع