للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الفاضل. وحقق ابن الأثير أمنيته عند الملك الأفضل، فقد استوزره، ونعم بما كان يبغيه من السلطان. فلما مات صلاح الدين، وصارت دمشق إلى الأفضل انفراد ضياء الدين بتدبير شئون الملك، وتصريف أمور الرعية، وأصبح مرجع الحل والعقد. ويجمع المؤرخون على فساد سياسته الخارجية والداخلية فقد توترت العلاقات بين الأفضل وملوك أسرته، بسوء تدبير وزيره، ونفرت الرعية من حكمه، وكان له بلا ريب أكبر الأثر في المصير المحزن الذي انتهى إليه مليكه بعزله عن الملك. وكثيراً ما أشار العادل على ابن أخيه أن يقبله فلم يكن يفعل؛ وهجاه الشهاب فتيان الشاغوري فقال:

متى أرى وزيركم ... وماله من وزر

يقلعه الله فذا ... أوان قلع الجزر (ي)

وبلغ من سخط الشعب أن الناس هموا بقتله عندما نزل الأفضل عن عرش دمشق، فأخرجه الحاجب مستخفياً في صندوق مقفل عليه، ولكن ذلك كله لم ينزع ثقة مليكه فيه، فصحبه أنى ذهب وحضر إلى مصر في معيته، عندما جاء الأفضل وصياً على العرش لابن أخيه العزيز. وظل ابن الأثير في خدمة الأفضل حتى أواخر سنة ٦٠٧ بعد نحو عشرين عاماً قضاها في صحبته، ثم تنقل بين حلب عند الظاهر غازي، والموصل، وإريل، وسنجار، ولكن لم يطلب له المقام في واحد منها، فعاد إلى الموصل، واتخذها دار إقامة، وكتب الإنشاء لصاحبها: ناصر الدين محمود بن عز الدين مسعود، وكان ذلك سنة ٦١٨، وبقى بالموصل زهاء عشرين عاماً أخرى. وفي رحلة له إلى بغداد، يحمل رسالة من صاحب الموصل توفى بها في إحدى الجماديين سنة ٦٣٧ (١٢٣٩م)، ودفن هناك.

كان أظهر صفات ابن الأثير إعجابه بنفسه، وإيمانه بمواهبه، تلمس ذلك في كل خطوة تخطوها في كتبه، فتراه حيناً يعرض عليك نماذج من رسائله، معجباً بها، منوهاً بقدرها، مبيناً ما استطاع أن يصل إليه فيها من معان جديدة، وأفكار مبتكرة، وحيناً يوازن بين كلامه وكلام غيرهن ليقنعك بجودة ما خطته براعته؛ وفي نظريات البلاغة كثيراً ما تراه يقدم إليك آراء يعدها من مبتكراته، أو يأخذ بيدك لتلمس ما زاده هو على آراء من سبقه.

وإنا نقر لابن الأثير كان من مجتهدي هذا الفن، وأن أكثر كتابه كان ناشئاً عن تجارب لصاحبه، وعن تقليبه النظر في ألوان الكلام ليستخلص منه وجوه حسنه، وإن كنا نعرف

<<  <  ج:
ص:  >  >>