قصة حبه الشهيد؛ لقد مضت تستعرض فصول القصة كما وقعت على مسرح الحياة: مبتدئة بدور الزوج، معرجة على دور الزوجة، منتهية بدور الحبيب. ولم تنس الهاجرة وهي في غمرة الوفاء للذكرى الباقية أن تطلب الصفح والمغفرة!
هذا هو الإطار الخارجي لقصة الأستاذ إدريس، إنني لو اقتصرت عليه لبدت لك القصة هيكلاً عظمياً عارياً من اللحم والدم والروح. . . إن الحياة تكمن هناك، في تلك الصورة النفسية التي تعرض طبيعة امرأة؛ امرأة يضع المؤلف بين يديك مفتاح شخصيتها وكل شخصية تمثل المرأة الخالدة! وهذه هي الصورة التي حملتها رسالة الزوجة إلى الزوج، أقدمها إليك منتزعة من معرض السطور:(لقد حمل نايف إلى جونا الاضطراب والخوف والعذاب، ولكنه مع ذلك هز مني الأعماق أعنف الهز، وكشف أمام عيني دنيا جديدة تزخر بالمتناقضات وتمتلئ بالمفارقات. ولست أدري يا صبري كيف أعبر لك عن الأثر الذي تركه أخوك في نفس ساعة وصوله!). . . (وسرعان ما أسبلت جفنيَّ، كأنما خشيت أن تنفر من عيني صور كثيرة، جلية، تعيد إلى الماضي بحذافيره فتبعث في نفسي فيضاً غنياً من المشاعر العذبة. أجل! إن الماضي تدفق ساعتذاك يا صبري كأنه نبع جار يحمل في ثنايا أمواجه ذكريات وذكريات). . . (وفتحت عيني مرة أخرى، لا يا صبري! لم يكن نايف يشبهك، وإنما كان هو نفسك. . . أجل! كان أنت في شبابك، يوم عرفتك للمرة الأولى. لقد رجع في نايف ماضي شبابك يا صبري، شبابك ذاك الذي أغرمت به قبل أن يولي وعشقته يوماً حتى الجنون!). . . (لا يا صبري! أنا لم أخنك! إنني مقيمة على شدة إخلاصي لك، إنني أحبك في نايف، وسأظل أحبك إلى الأبد. أراك تود أن تسألني: وأولادنا؟ وحاضرنا؟ ومستقبلنا؟. . . لا تكن ساذجاً يا عزيزي! أما أدركت أنه لم يبق لي شيء بعد، وأنه لا حاضر عندي ولا مستقبل غير هذا الماضي الذي يعود؟!).
أرأيت كيف حلت الفكرة الناضجة من جسم القصة محل الروح، وكيف سما بها النموذج النفسي النابض إلى الأوج؟. . . هكذا تخلق القصة، وهكذا تحيا، وهكذا تتنفس، وهكذا يكتب لها البقاء! إنك تستطيع أن تجد في هذه المجموعة القصصية نماذج أخرى لا أقول إنها تبلغ هذا المستوى الممتاز، ولكنها تقترب منه وتنبع من نفس المنبع وتدور في نفس الأفق.