للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ظاهرة تدعو إلى الارتياح، بل تبعث الاغتباط.

ذلك أنك لا تكاد تفتح مجلة أو تطالع صحيفة منذ توفى الريحاني في الأسبوع الماضي، إلا ألفيت بها رثاء له نثراً أو شعراً، وقد حفلت بعض الصفحات بالكتابة في تاريخه والتحدث عن فنه وأثره في هذا الجيل وما إلى ذلك مما يتصل به

ولم يكن ذلك إلا صدى لما يجيش في صدور الناس على اختلاف طبقاتهم من الأسف لفقد هذا الرجل والشعور بمكانته باعتباره ممثلاً أدى رسالته الفنية على أتم وجه. ومعنى هذا أن الجمهور في مصر قد عرف قيمة فن التمثيل وقدر أهله إذ أصبح لهم في حسه وشعوره ما هم أهله من مكانة واعتبار، فإذا قضى علم من أعلام التمثيل أخذ الحزن عليه مظهراً عاماً، واستشعر الجميع فجيعتهم فيه، وهذا ما عنيته في صدر هذه الكلمة بالظاهرة التي تدعو إلى الاغتباط، وهي كذلك لأنها تدل على تطور عظيم في حياتنا، إذ تغيرت نظرتنا إلى التمثيل والممثلين من حال إلى حال، ولا تزال للحال الأولى آثار باقية، وإن كانت في سبيل الزوال، تلمح ذلك فيما تنشره بعض الصحف من أن يوسف وهبي أو عبد الوهاب أو غيرهما من الفنانين، يعتزم ترشيح نفسه عن دائرة كذا في الانتخاب القادم لعضوية مجلس النواب، وهي تنشره على أنه أمر طريف جديد، ولعله كذلك فعلا لأننا لم نعهد بعد نواباً من المشتغلين بهذه الفنون مع جدارتهم بأن يأخذوا المكان اللائق بهم في قيادة الأمة.

وقد كان الريحاني من القلائل الذي أعلوا قدر التمثيل في مصر إذ جعلوا له أهدافاً في المجتمع وسايروا به ارتقاء العلوم وسائر الفنون في مصر، فأثبتوا أنهم من المضطلعين بترقية الأمة والناهضين بها. والريحاني أول ممثل ظفر بنشان النيل، وأول ممثل تفضل جلالة الملك بإرسال مندوب عنه لتشييع جنازته، وأول ممثل أعرب جلالة الملك عن حزنه عليه بعبارة كريمة سامية.

وبعد، فذلك هو الوعي القومي نحو فن التمثيل وتقدير أهله ولا شك أن هذا التقدير يلقى على فنانينا تبعات نحو فنهم والإخلاص له وإفادة الناس منه، وعلى مقدار شعورهم بهذه التبعات ونهوضهم بمقتضياتها يتوقف مصير الغراس الذي نما وأثمر بعض الشيء ولا يزال في حاجة إلى تعهد وعناية ورعاية ليؤتي أكله على ما يشتهي الجميع.

قضية (عيسى بن هشام) والإذاعة:

<<  <  ج:
ص:  >  >>