عرضت على قاضي التحضير بمحكمة مصر الكلية يوم الثلاثاء الماضي، القضية المرفوعة من خليل بك المويلحي مؤلف كتاب (حديث عيسى بن هشام أو فترة من الزمن) ضد الإذاعة لأخذها تمثيليات من الكتاب وإذاعتها بلغة عامية مبتذلة، على ما فصلناه في عدد مضى من الرسالة. وقد أجل نظر القضية إلى جلسة ٧ نوفمبر المقبل أمام محكمة مصر الكلية.
وأذكر بهذه المناسبة أني وقفت على مقال عن ذلك الكتاب للمستشرق الفرنسي هنري بريز عضو المعهد الفرنسي بدمشق، في المجلد العاشر من مجلة الدراسات الشرقية لسنة ١٩٤٣، ١٩٤٤ قال فيه:(إن حديث عيسى بن هشام يعد في طليعة الكتب المؤلفة في الأخلاق والعادات والنقد الاجتماعي، وما من شك في أنه كان العامل الأول في بناء صرح النهضة الحديثة للغة العربية، وإن سلاسة لغته وسجعه غير المتكلف يعيدان إلى الذاكرة أسلوب الكتابة الفنية لجنكور والإنشاء الخيالي لهويسمان. ولقد صور المويلحي الحياة المصرية في شتى مظاهرها الاجتماعية بقلم جريء وصراحة واضحة وإخلاص بلغ حد القسوة في تصوير الحقائق الواقعة تصويراً دقيقاً أذكرنا كتابة بلزاك وفلويير. وإنه لمن المتعذر على أي أديب أن ينسج على منوال حديث عيسى بن هشام أو أن يصل إلى سمو أسلوبه مقلد، فقد بلغ المثل الأعلى للإنشاء الوصفي ودقة تصوير المجتمع ولقد بزغ نوره في فجر النهضة الحديثة للأدب العربي، فمحت آيته مختلف المقامات الأدبية وهدى لنوره الرجعيين القدامى في كتاب الأدب، واسترشد بسناه المجددون من الأدباء فسلكوا من بعده الطريق المعبد إلى المستقبل المثمر)
والواقع أن حديث عيسى بن هشام يعد المحاولة الوحيدة الناجحة في عصره لإحداث فن قصصي جديد في الأبد العربي الحديث، ومن المحاولات المخفقة التي عاصرته (ليالي سطيح) و (صهارج اللؤلؤ)، ومما يؤسف له أشد الأسف أن تتخذ الإذاعة ذلك العمل الأدبي التاريخي الخالد، ذريعة إلى إحداث فن جديد في تمثيلياتها العامية الهابطة المسفة، فن يجري فيه الحوار بمثل:(يا حلمبوحة) و (يا مدهول يا منيل على عينك) وغير ذلك من ألفاظ اللغة التي يدعو إليها سلامة موسى بدلاً من العربية الفصيحة!
والإذاعة بذلك لا تكتفي باستباحة كتاب لم يتصدق به عليها مؤلفه، بل تعمد إلى تحريف