إذا حددنا المنهاج وضح أمامنا الطريق، ورسم الخطة يحتاج إلى تفكير عميق ووزن دقيق للأمور واستفادة من تجارب الآخرين. ومن الواجب أن تكون الخطط التي تصل إلى المثل الأعلى متنوعة متعددة؛ فإذا نال المرء الإخفاق في واحدة، لم يكن لليأس سبيل إلى نفسه؛ ولم يصدم بهذا الإخفاق، بل يكون قد أعد العدة من قبل لينهج نهجاً آخر يصل إلى الغاية عينها؛ أما إذا رسم لنفسه خطة واحدة، ولم يفكر فيما يصنعه إذا أصيب بالإخفاق فيها فإن الصدمة تكون قاسيةٍ إذا فشل قد تقضي عليه وتحطمه. والمرء حين يضع الخطط يقدر دائماً أن كل خطة منها عرضة للنجاح والفشل، لأن ظروف الحياة لا سلطان لأحد عليها حتى يكيفها كما يريد. فليقدر المرء إذاً حين يخطو كل خطوة أنه قد يفوز وقد يخفق، لأن هذا التقدير يحول بينه وبين الصدمة إذا لم تنجح خطوته، فيعود من جديد ليحاول محاولة جديدة. والذي يصمم على النجاح لا بد أن يظفر به ولو كانت الخطوات الأولى في سبيل أمله فاشلة غير ظافرة:
ومغالب العقبات حتما غالب=إلا إذا أطرح الجهاد وقصرا
فأول شرط النصر - كما يقولون - إرادة النصر. والتصميم على الظفر يسهل على المرء بدء المحاولة من جديد إذا أخفق، كما أنه يحول بينه وبين اليأس الذي هو أعدى أعداء المثل العليا؛ لأن اليأس رضا بالخيبة واعتراف بالضعف، ووقوف في منتصف الطريق ونكوص عن الجهاد. ومن أين لليائس أن يظفر بغايته وقد رضى أن يضع سلاحه ويستريح:
لا تيأسنَّ وإن طالت مطالبة ... إذا استعنت بصبر أن ترى فرجا
أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ... ومدمن القرع للأبواب أن يلجا
ومن بواعث اليأس في النفس التفكير في ماض مخفق، والحزن على ما أفلت من فرص، فإن ذلك الحزن يضعف قوة المرء على الجهاد. وإنما يفكر المرء في الماضي لا ليحزن على ما فات، ولكن ليتخذ من أغلاطه عظة ودرساً في قابل الأيام!
إن من يهيئ نفسه لنيل مثل أعلى يجب أن يعلم أن الطريق إليه شاق طويل مليء بالصعاب والعقبات، وأن لا سبيل إلى قطعه إلا إذا كان لديه ذخيرة كبيرة من الجلد والمثابرة، فإن بلوغ الآمال لا يتطلب منا ذكاء نادراً، ولكنه يتطلب الصبر والمثابرة. سئل