يصدق في أكثر الحالات وأعمها، إلا أن أولئك الأفراد الذين لا يمكن تعويضهم هم العظماء، ويكونون عادة أقلاء وسيبقون كذلك أو ربما يقلون.
ولا شك أن التقدم الذي بلغته الإنسانية في المضمار الحضاري من علوم وفنون وآداب أصبح ممكناً بفضل جهود نفر من العظماء الذين سخروا مواهبهم في سبيل تحقيق هذا التقدم. وإن من يدرس آراء (برخاروت) بصورة دقيقة يلاحظ أنه يميل إلى أن العظمة تتمثل في الفلاسفة والفنانين فقط، فيقول في سياق بحثه: إنني لا أعد المخترعين والمكتشفين من العظماء لأن ما ينتجونه يمكن الوصول إليه في يوم من الأيام، أما الفلاسفة والفنانون فلا يمكن أن يستعاض عنهم بصورة مطلقة. فلو صادف أن مات رفائيل قبل نضوجه الفني لما خرج في العالم شخص مثله يتمكن من رسم لوحته الخالدة (تجلي المسيح). ومن البديهي أن يكون تصوير العاطفة والخيال، وتجسيد الوحي والإلهام في هيئة جميلة، وإظهارها بشكل آية فنية رائعة تكشف النقاب عن مواطن الجمال، ليس بالأمر الهين؛ لأن إعادة خلق الأفكار وتجسيدها في مظهر فني لا يقدر أن يقوم به إلا خالق الفكرة نفسه.
خاتمة:
أعتقد أن الآراء التي بينتها حتى الآن تكفي لإعطاء فكرة عامة عن النظرية التي تقول:(أن التاريخ سلسلة من سير العظماء) أما النظرية المعاكسة التي من أبرز زعماتها (سبنسر) فتقول إن الإنسان خاضع لمحيطه ويتطور بتطوره. وإذا ما تعارضت ميول الفرد مع سير الحوادث تبددت وزالت ولا يبقى إلا أثار التطورات الاجتماعية المحتمة الوقوع. ويدعى أصحاب هذه النظرية - نظرية التطور - أن الأعمال العظيمة التي استطاع أبطال التاريخ أن يقوموا بها لم تتيسر لهم إلا عندما اتجهت إرادتهم وميولهم نحو تحقيق الرغبات التي كانت ضرورية لتطور المجتمع. لذلك فإن التطور المادي هو أساس كل شيء في التاريخ وكل الحوادث التاريخية بما فيها سير الأبطال تتمشى وسنة الطبيعة بدون استثناء
وبعد أن استعرضت بصورة مجملة آراء كل من أصحاب النظريتين أود أن أذكر بأن كلا الفريقين على الرغم من الحقائق التي يبينوها كانوا مغالين في نظرياتهم، والمثل على ذلك ما ذكره السر (أومان) عن النبي محمد (صلعم)، فمع أنه عظيم حقاً إلا أن ذلك يجب أن لا