للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وقلت زدني وتفهمته ... والثلج في الصيف من العيش

ولقد كان عوف هذا من أدباء القرن الثالث الهجري.

ولقد صبر العربي على قسوة محيطه ولم يتضجر من عنف الحياة فيه بل خلق من سيئاته حسنات؛ فكان صبره على شظف العيش في بلاده مصداق قول الدكتور أحمد أمين في كتابه (الأخلاق) في بحث الوطنية. (على أن حب الوطنية يكاد يكون طبيعياً في كل إنسان حتى لنرى بعض الحيوانات تحن إلى أوطانها كما تحن الطيور إلى أوكارها. ولقد ينشأ البدوي في بلد جدب ومكان قفر وهو مع ذلك يسعد بوطنه ويقنع به ويفضله على كل مصر). قال الجاحظ: (وترى الحضري يولد بأرض وباء وموتان وقلة خصب، فإذا وقع ببلاد أريف من بلاده، وجناب أخصب من جنابه، واستفاد غنى، حن إلى وطنه ومستقره. وخير مثال لقول الجاحظ قصيدة مالك بن الريب يحن إلى بادية العرب وهو في جنان إيران، وكان قد ذهب إليها مع الجيوش العربية التي سارت لفتحها فمنها:

ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بوادي القطا أزجي القلوب النواجيا

فليت الغضا لم يقطع الركب عرضه ... وليت الغضا ماشي الركاب لياليا

لقد كان في أهل الغضا لودنا الغضا ... مزار ولكن الغضا ما دنا ليا

وهذا هو السر في أنك ترى البلد تفشي فيه أنواع الحميات، أو يكون مثاراً للبراكين من حين إلى حين أو عرضة لطغيان الماء أو عصف الرياح ثم لا يبرحه أهل ولا يعدلون به بلداً سواه. قيل لأعرابي كيف تصنع في البادية إذا اشتد القيظ وانتعل كل شيء ظله؟ قال وهل العيش إلا ذاك؟ يمشي أحدنا ميلا فيرفض عرقاً ثم ينصب عصاه ويلقي عليها كساءه ويجلس في فيئه يكتال الريح فكأنه في إيوان كسرى!

لقد أطلنا الحديث عما قاله الأدب عن حرارة الصيف فلننهض العلم ليقف على المسرح ويحدثنا عن أثر حرارة الصيف في الجسم فنجمع بين الحسنيين. وما أجمل العاطفة والعقل إذا اجتمعا في صعيد واحد! وإن الأدب والعلم زوجان ينتج من اقترانهما تمام المعرفة.

قال البروفيسور (بويد) صاحب المؤلفات الغزيرة الفائدة في علم الباثولوجي وهو العلم الباحث عن كيفية تهدّم الجسم بالأمراض: إن ضربة الحر في أساسها شلل في الجهاز المنظم للحرارة ويسببه التعرض لحرارة شديدة. وإن درجة الحرارة التي توجب الإصابة

<<  <  ج:
ص:  >  >>