كفيلة بضمان تنفيذ ما نقرره في كل جهة. وكما نعقد كل أسبوع اجتماعاً في إحدى السفارات الثلاث تحت رئاسة المندوب المجتمع في داره - وكان لتركيا في ذلك العهد صدر أعظم يعمل في الباب العالي، وسلطان يقيم في سراي ضولمة باغجة - ولكن لم يكن هناك من يهتم بهما لأن طلبات المعونة والحماية والتعويض كانت كلها تقدم لإحدى هذه السفارات كأنها الجبهة أو السلطة صاحبت الشأن في البلاد، وكان عملنا سائراً لا تشويه غيرة أو تنازع على المصالح، وإنما بإنفاق تام ساعد عليه كثيراً تآلفنا الشخصي.
وكنت قد استحضرت معي علماً إيطاليا من إحدى البوارج أسرعت برفعه على دار السفارة بعد أن قمنا بتحية إنزال العلم الأسباني الذي كان يرفرف عليها طوال مدة سنوات الحرب الطوال، وما كادت الموسيقى تعزف ألحان النشيد الوطني الإيطالي حتى اجتمع عدد كبير من الأهالي مكون من يونان وأرمن ويهود وبعض الترك، الذين لم يظهر عليهم أي مظهر عدائي نحونا.
لقد أقتنع كثيرون من أن حملة الدردنير كانت نكبة من الوجهة العسكرية لما سببته من النتائج الخطيرة التي أطالت مدة الحرب، ولكنني تيقنت من ذلك حينما أقمت باستنبول بعد الهدنة لما علمته من السلطات التركية من أن القواد الترك دهشوا لما رأوا انسحاب القوات البحرية في الوقت الذي بدأت فيه قوى المدافعين تخذلهم - فكأنهم لم يشعروا بانتصارهم إلا بعد انسحاب عدوهم - وهذا دليل جديد على أن العامل النفسي هو أساس كل انتصار حربي.
وقد دهشت كثيراً عند وصولي استنبول وبعد زيارتي لبروسية من وفرة المؤن والمحاصيل الغذائية في البلاد، لأنإيطاليا تأثرت كثيراً من حالة الضيق التي كانت فيها مدة الحرب ٠ ولعلمي بوجود جالية إيطالية كبيرة في تركيا، كنت أنتظر أن أجدها في شبه مجاعة، فاستحضرت من إيطاليا كميات كبيرة من الدقيق لتوزيعها على أفراد الجالية - ففوجئت حينما علمت أن الجالية ليست في حاجة إلى شيء من المعونة وإن أفرادها يفضلون الدقيق التركي الممتاز ببياض لونه ونقاوته على الدقيق الإيطالي - وعلمت من ذلك أيضاً فداحة ما تحمله الحلفاء بسبب إخفاق حملة الدردنيل؛ ولكن الماضي قد انتهىالآن وليس أمامنا مواجهة الحقائق التي أمامنا.